قال تعالى: {َبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً}، وقال سبحانه وتعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} .. لقد أدركت اليوم لماذا وضع الله مفتاح الجنة في يد الأم، وجعلها تحت قدميها، صفحة بيضاء عندما توفيت والدتي رحمها الله وأسكنها والمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات فسيح جناته، فقد كانت صفحة بيضاء نقية في حياتها وحتى وقت وفاتها، فقد توفيت يوم الجمعة وفي الأيام البيض، يوم الخامس عشر من شهر صفر 1434ه، تلك الأيام التي دأبت على صيامها مع صيام أيام الست من شهر شوال وعشر ذي الحجة، والتاسع والعاشر من شهر الله المحرم، وغيرها من المندوبات، صيام آثر صيام حج وعمره، وصلاة، وإفهام للصغيرات في أعمارهن للواجبات المنزلية والعائلية، وحقوق الزوجية المشتركة، فالحمد لله على ذلك. لسان رطب ودائم بذكر الله تعالى، استغفار في الأيام الأخيرة، لا تضجر من ألم ولا تطلب أي شيء سوى السؤال عن مواقيت الصلاة، هذا الجيل قلّ أن يوجد فلا اهتمام بالدنيا وزخرفها ولا تتبع للعورات أو خوض في نميمة أو غيبة، صفاء قلوب، سجايا حميدة، فطرة صافية، وإيمان راسخ.. ولا أجد تعبيراً عما يختلج في صدري سوى كلمات الشاعر: أعوذُ بالصَّبر الجميل تعزِّياً لو كان بالصّبر الجميل عَزائي كم عَبرة موّهتها بأناملي وسترتها متجمِّلاً بردائي وكم زفرة ضعفت فصارت أنّةً تمَّمتُها بتنفُّسِ الصُّعداءِ قد كنتُ آمُلُ أن أكون لكِ الفِدا ممّا ألَمّ، فكنتِ أنتِ فدائي في كلِّ مظلم أزمة أو ضيقة يبدو لها أثرُ اليدِ البيضاءِ اتصل بي أحد الإخوة الأفاضل معزّياً وقال والله إني أخاف من موت كبار السن، فسألته، لماذا؟ فقال هؤلاء حياتهم بين دعاء وذكر الله واستغفار، لا يكلّون ولا يملّون، وبهم نُرحم، حيث تنادي الملائكة إذا ماتت الأم (أن قد مات من كنت تُرحم بسببها). وعلى الرغم من هذه المصيبة التي حلّت إلا أننا ولله الحمد لا نقول إلاّ ما يرضي ربنا {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}، وإن مصيبتنا لتهون حين نرى هذه الجموع من الأحبة من أقارب وأصدقاء وزملاء ومعارف يتسابقون على أظهار جوانب مضيئة من البر والإحسان، إما صلاة على الميت، أو متابعة له في المقبرة، أو مواساة لأهله في منزله، فلكلِّ من واسانا حاضراً أو متصلاً أو داعياً شكرنا وتقديرنا سائلين الله سبحانه وتعالى أن يتقبّل منهم ومنا صالح الدعاء وأن يجزيهم عنا خير الجزاء. ولا أنسى أن أدعو دعوة خالصة أن يديم علينا نعمة الأمن والأمان، وأن يحفظ ولاتنا ويديم عليهم الصحة والعافية، شاكراً ومقدراً لصاحب السمو الملكي الأمير متعب بن عبد الله بن عبد العزيز وزير الدولة عضو مجلس الوزراء، رئيس الحرس الوطني، تلطفه وعنايته على الاتصال والتعزية، وكذلك معالي نائب رئيس الحرس الوطني المساعد الأستاذ عبد المحسن بن عبد العزيز التويجري الذي تفضّل بالحضور للمنزل، ولسمو الأمير خالد بن عبد العزيز بن عياف آل سعود، ولبقية زملائنا من الحرس الوطني، ولرجال البر والإحسان في هذا البلد المعطاء، دعاء خالص أن يثيبهم لما يقدمونه من أعمال جليلة وأخص بذلك ما يراه الكثيرون من جهود موفقة ومتواصلة من رجل الأعمال الشيخ سليمان الراجحي على تسخيره نقل الموتى وتجهيزهم وغسلهم طوال 24 ساعة، ولا استغرب ذلك، وقد عرفنا عن هذه الأسرة الكريمة مداومتها في أعمال البر والإحسان، ولكن الملفت والجديد الذي أدهشنا هو اتصالهم في اليوم الثاني للعزاء مبدين رغبتهم وبتوجيه من الشيخ في تقديم غداء وعشاء لأهل الميت، فأثابهم الله سبحانه وتعالى على ما يبذلونه. نقطة أخيرة أدوّنها وهي أن هناك أناساً قد أنعم الله سبحانه عليهم، حيث جعل من والديهم أو أحدهما مستقراً عنده، وتلك نعمة لا تعدوها نعمة، والمغبوط من حصل على ذلك وقام به خير قيام، وأحسب أنّ أخي صالح وزوجته قد قاما بذلك واجتهدا على أن يكونا قريبين من والدتي لا يكادان يغادران المنزل، بل إنهما باتا قريبين من فراشها يتفقدانها كل حين وآن، فجزاهما ربي خير الجزاء، اللهم أرحم موتانا وموتى المسلمين، {إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً}. اللهم بلِّغ أمي مني السلام، وأجزها عني خيراً، واجعل عملي الصالح في ميزان حسناتها، فالرسول صلى الله عليه وسلم يوجه بالقول: (أو ولد صالح يدعو له) واجمعني بها في مستقر رحمتك، في مقعد صدق عند مليك مقتدر. [email protected] مدير عام المهرجان الوطني للتراث والثقافة