يذكر تاج الدين السبكي - رحمه الله - ان سؤالا ورد اليه مضمونه: هل من طريق لمن سلب نعمة دينية او دنيوية اذا سلكها عادت اليه، وردّت عليه؟ فأجاب: طريقه ان يعرف: من أين أتي فيتوب منه، ويعترف بما في المحنة بذلك من الفوائد فيرضى بها، ثم يتضرع الى الله تعالى. هذه ثلاثة امور هي طريقه التي يحصل بمجموعها دواء مرضه ويعقبها زوال علته، بعضها مرتب على بعض لا يتقدم ثالثها على ثانيها، ولا ثانيها على اولها. فعاد اليه السؤال ثانية ليشرح هذه الامور شرحا مبينا مختصرا وليصف الدواء وصفا واضحا. فقال السبكي - رحمه الله -: هذا سر غريب جمهور الخلق لا يحيطون بعلمه، ونبأ عظيم اكثر الناس معرضون عن فهمه لاستيلاء الغفلة على القلوب ولغلبة الجهل بما يجب للرب على المربوب. ثم قال رحمه الله وأنا أبحث عن هذه الامور في هذا المجموع الذي سميته معيد النعم ومبيد النقم بحثا مختصرا. ثم أردف - رحمه الله - قائلا: لا ارخي في هذا المجموع عنان الاطناب، فإنه بحر لا ساحل له ولو ركبت فيه الصعب والذلول، وقد شمرت فيه عن ساق البيان وخضت فيه لجج الدقائق، فأذكر من ذلك ما تشترك الخاصة والعامة في فهمه، وأخص فيه النعم الدنيوية اذا كانت محط غرض السائل عسى الله ان ينبهه بها للنعم الاخروية. لذا بنى السبكي رحمه الله كتابه على ذكر ما يحفظ على الانسان في هذه الحياة النعمة التي اسداها الله اليه ويدفع عنه السوء والبأساء، ومرد ذلك الى ان يقوم كل امرىء بما يجب عليه ويؤدي حق العمل الذي خصص نفسه به ويراعي ما رسم الشرع في امره. وقد استتبع ذلك ان يذكر الاعمال في عصره والوظائف الديوانية وغيرها، ويفصل ما يطلب في كل عمل ووظيفة ويذكر ما يقضي به الشرع حتى يفضي العمل الى غايته الصحيحة ويتكون مجتمع صالح في هذه الحياة. وقد ايد السبكي رحمه الله واعانه على ذلك سعة فهمه وفقهه وخبرته بأحوال عصره وشؤون الدولة وطبقة الناس فقد ولي وظائف تجعله بسبب قوي من الحكام وسواد الناس وعامة الشعب. د, زيد محمد الرماني عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عضو الجمعية الدولية للاقتصاد الإسلامي