جمع وتحقيق ودراسة : د, حسن عيسىأبو ياسين قراءة وتعليق:حنان بنت عبدالعزيز بن عثمان بن سيف اسم الكتاب: شعر همدان وأخبارها في الجاهلية والاسلام. اسم المؤلف: الدكتور حسن عيسى أبو ياسين الطبعة: دار العلوم للطباعة والنشر عام 1403ه 1983م. يقع الكتاب في 455 ورقة من القطع الكبيرة، وقد استهله المؤلف الفاضل باهداء جميل رشيق الى زوجته وأولاده جزاء صبرهم وتحملهم ثم يتبع هذا الاهداء بمقدمة جامعة ذكر فيها ان صلته بقبيلة همدان وشعرها بدأت منذ توفر المؤلف على دراسة حياة شاعرها الكبير في العصر الأموي أعشى همدان، وقد نهضت هذه الدراسة الوافية بأمرين رئيسيين، الاول: دراسة الحياة القبلية في طورين كبيرين من أطوار حياتها، طور الجاهلية وطور الاسلام، والثاني: جمع شعرها في هذين الطورين مع التحقيق والدراسة. واستعرض المؤلف في مقدمته هذه تبويب الكتاب وفصوله، ثم وجه جزيل الشكر وعظيم التقدير لأستاذين جليلين الأول: الدكتور شوقي ضيف، والثاني الأستاذ الجليل محمود محمد شاكر، وهذا فضلا عن توجيه الشكر لأساتذة آخرين فضلاء. ومتن الكتاب جاء في تقسيم دقيق شامل، فالقسم الأول منه يحوي الدراسة، ثم الباب الاول منها جاء يحمل العنوان التالي: همدان في الجاهلية، والفصل الاول من هذا الباب تناول المؤلف فيه تاريخ همدان القديم، ومصادر هذا التاريخ لا تكاد تتجاوز مجموعات النقوش التي ورد فيها ذكر عن تاريخ همدان القديم، غير ان هذه النقوش تعد وثائق تاريخية موثقة في كتابة تاريخ همدان القديم، ويؤيد هذا الرأي انها كانت تمثل كتابات رسمية، فهي بالتالي سجل رسمي لتاريخ ملوك سبأ وذي ريدان الهمدانيين، ولهذه النقوش أهمية أخرى فهي تكشف جوانب الحياة الدينية والاجتماعية للهمدانيين. وحول موضوع نسب همدان، فقد حظيت هذه القبيلة بكتب خاصة في تقييد نسبها، وقد اعتمد المؤلف على كتاب الهمداني المسمى بالاكليل ويقع في عشرة اجزاء، وقد جعل المؤلف هذا الكتاب هو الأصل في كتابة نسب همدان، والسبب على حد قول المؤلف: الهمداني كان أقوم على نسب قبيلته من غيره، فقيد هذا النسب بصورة دقيقة حين اجتهد في تقويم ما حرف منه عند النسابين وقد اجتهد المؤلف في تخليص هذا النسب من كل الشوائب التي اوجدت الخلط والوهم في بعض جوانبه، وبينه على الوجه الصحيح ولاسيما في الخارطة التي أوثقها بهذه الدراسة، وأشار المؤلف الى عبادة همدان، وحياتهم الدينية، وقد جاءت علىثلاث مراحل في عبادة الأصنام، وسبب هذا كما يقول المؤلف: ويمكن تحليل تعبد همدان لأكثر من صنم واحد، بان همدان تعد في حقيقة الأمر شعبين كبيرين، هما شعب حاشد، وشعب بكيل، وكل شعب من هذين الشعبين كان يضم بين دفتيه مجموعة من القبائل الكبيرة التي كانت تضم بدورها عددا لا حصر له من البطون والأفخاذ ، وفي الكتاب اشارة الى منازل همدان، واعتناق بعض أبنائها لليهودية والمسيحية، ثم حياة همدان الاقتصادية، وأيامها في الجاهلية وكانت هذه الحروب على ثلاثة أقسام، الأول مع القبائل القحطانية، والثاني مع القبائل العدنانية، والثالث مع القيسية، وكان المؤلف يتحدث عن هذه الأيام والغارات والحروب التي حصلت فيها، ثم يوثق حديثه بالشعر مع نسبة هذا الشعر لقائله، والكتاب الذي ورد فيه، وفي الفصل الثاني من الباب الاول الذي سماه الشعراء ناقش موضوع لغة همدان، فقديما كانت الحميرية، ثم ما لبثت ان عربت هذه اللغة قبل الاسلام ولا سيما في الشمال والجنوب وأصبحت لهجة قريش هي الدارجة شمالا وجنوبا وشرقا وغربا، وقد قسم المؤلف الشعراء الى الفئات التالية: شعراء الفروسية، الحماسة، وشعراء فخر، وشعراء مختلفون تنوعت أغراضهم فهي اما في وصف الطبيعة، واما في الحكمة، ويشير مؤلف الكتاب الى ان شعراء الفروسية والفخر ينتمون الى الطبقة الرفيعة في همدان فأكثرهم اما رئيساً في قومه، واما شريفاً وسرياً، كما ذكر المؤلف أيضاً ان شعر الفخر ينشعب في اتجاهين: الأول: فردي يتوفر فيه الشاعر على ذكر مناقبه كالكرم والسؤدد والشرف,والثاني: جماعي يتناول الشعراء فيه مجد قبيلتهم همدان وماضيها العريق. كقول أحدهم: لا يمل الحرب يوما مثلكم فيكم الثروة تخشى والعدد ثم شرع المؤلف في الفصل الثالث من الباب الأول وعنوانه: أغراض الشعر وخصائصها الموضوعية والفنية، وفي هذا الفصل ألمح المؤلف الى نكتة فريدة، ومعلومة مهمة وهي ان شعر همدان لم يصل الينا كاملا ودلالة ذلك خلو الشعر من الموضوعات التقليدية كالمديح والرثاء ثم شعر الطرد ووصف الصحراء، فلو وصل الينا كاملا لاستطعنا تلمس هذه الموضوعات التقليدية، اضافة الى ان جل ما وصلنا من الشعر كان لطبقة الشعراء الرؤساء وهؤلاء شغلوا أنفسهم بشعر الفروسية والحماسة، كما أشار الى نواحي الشبه بين شعر فروسية همدان وبين شعر فروسية العرب, وحول موضوع اللغة، كان هذا مما اختص به الفصل الرابع من الباب الأول، وقد تميزت هذه اللغة بالبساطة مع القوة والرصانة والجزالة، وهو ما أضفى عليها العذوبة والحلاوة، فلا نجد في شعرهم المعنى الغريب، أو اللفظ الوحشي الشارد، فهم لا يميلون الى الالتواء والتعقيد في صياغتهم الفنية، ولعل السبب ان الهمدانيين من القبائل المتحضرة والتي عاشت حياة اجتماعية راقية, يلي هذا الفصل الباب الثاني وموضوعه همدان في الاسلام، والفصل الأول منه، عنون له المؤلف بالتاريخ، وفيه حديث مسهب عن اسلام قبيلة همدان وقد أسلمت في السنة العاشرة من الهجرة، وهي السنة المعروفة بسنة الوفود، وهي التي قدمت فيها القبائل العربية لمبايعة النبي صلى الله عليه وسلم، وتوالت وفود همدان على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان كل واحد منها يمثل قطاعا من قبائلها، والرسول صلى الله عليه وسلم يكتب عهده لكل وفد من وفودها، بل ان فريقا من رؤساء همدان أسلم ولم يفد، فكان الرسول صلى الله عليه وسلم يرسل بعهده وكتبه اليهم، وقد استعرض المؤلف الفاضل موقف همدان من الردة، ومشاركتها في فتوحات المشرق، كوقعة القادسية، ومعركة اليرموك، وفي فتوح مصر، بالاضافة الى مشاركتها في كثير من الأحداث الاسلامية الكبرى، وقد اشبع المؤلف المباحث السابقة شرحا ودراسة وإفاضة، بل كان يسوق الأحداث التاريخية بطريقة موجزة ومركزة حيث كان يلم بأهم الأحداث الأساسية ثم يربط الموضوع بروابط من حديثه الأدبي الشيق، ويملك المؤلف قدرة عجيبة في الانتقال من حدث الى آخر، مع وجود السلاسة والترابط والتناسق، فاذا قرأت ما كتبه يراع كاتب الكتاب اذهلك نقله، وأعجبك بسطه، وأمتعك عرضه، وشِعر الكتاب منتقى مجود، من ذلك ما قيل في همدان: تسربلت من همدان درعا حصينة ترد العوالي بالأنوف الرواغم هم نصروا آل الرسول محمد وقد أجحفت بالناس احدى العظائم وفوا حين أعطوا عهدهم لنبيهم وكفوا عن الاسلام سيف المظالم هم أطفأوا اذ جاهدوا نار فتنة وهم تابعوا من هاشم خير قائم ثم شرع المؤلف في الفصل الثاني من باب الكتاب الثاني وعنون له بالشعراء وعنى بهم وبخاصة شعراء العصر الاسلامي، حيث صنفهم في مجموعات متميزة تضم المجموعة الأولى شعراء عصر النبوة ومعاصريهم ممن عاصروا خلافة الراشدين وكان لبعضهم وفادة عليهم، أو ممن شاركوا في الفتوحات الإسلامية زمن الراشدين رضوان الله تعالى عليهم ويتميز شعراء هذه المجموعة على حد قول المؤلف الفاضل بتأثرهم البالغ بالإسلام وتعاليمه ومثله العليا، كما يتميز شعرهم بتأثره بأسلوب القرآن الكريم، والمجموعة الثانية من الشعراء الإسلاميين تضم من شهدوا مشاهد الجمل وصفين مع الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه فشعراء هذه المجموعة قد سخروا كل أشعارهم للدفاع عن حق الإمام علي رضي الله عنه في الخلافة، ويعتبر جميعهم من الشعراء الفرسان الرؤساء, أما المجموعة الثالثة فتضم شعراء ما بعد الجمل وصفين، وهم الشعراء الذين شاركوا في ثورات أهل العراق المختلفة والتي بدأت بثورة التوابين من الشيعة، فشعراء هذه المجموعة الذين جاءوا بعد صفين يمثلهم أعشى حمدان وحده تمثيلاً دقيقاً، لا سيما أن تاريخ همدان بعد صفين لا يتضح إلا من خلال شعر الأعشى، ثم يأتي الفصل الثالث من الباب الثاني وعنوانه أغراض الشعر، ومن الأغراض الشعرية القديمة الفخر وينقسم إلى عدة أقسام الأول: الفخر الجماعي والثاني: الفخر الذاتي، والثالث: الفخر الإقليمي، والغرض الشعري الثاني هو الهجاء، حيث ينقسم الهجاء من الناحية الموضوعية إلى ثلاثة أقسام مميزة، الأول: فردي ويتصل بهجاء الأفراد، والثاني: جماعي يتصل بهجاء القبائل تارة، والأقاليم تارة أخرى، ثم الثالث: المذهبي وهو الذي يتصل بهجاء الجماعات والفرق المذهبية. والمنهج الذي اتبعه شعراء همدان في تناولهم لهذا الموضوع الجمع بين تقاليد الهجاء القديمة التي يعمد فيها الشاعر إلى المثالب الاجتماعية أو الخلقية أو العرقية، وبين مظاهر التجديد التي دخلت في هذا الموضوع بتأثير القيم الإسلامية الجديدة، حيث أصبح معيار المديح أو الهجاء يخضع في كثير من جوانبه لهذه القيم الإسلامية، ومدى الاقتراب منها أو البعد عنها، والغرض الشعري الثالث هو الحنين إلى الديار وينقسم إلى نمطين من الشعر عندهم: نمط يصدر فيه الشاعر عن حنين وشوق لديار همدان عامة، ونمط يصدر فيه عن حنين وشوق لمنازل عشيرته أو قبيلته خاصة، ورابعاً الرثاء حيث جمع شعراء همدان بين معاني الرثاء التقليدية، وبين معاني الرثاء الإسلامية كالتقوى والورع والزهد والعدل إلى غيرها من القيم الإسلامية العليا، وخامساً: المديح حيث جمع شعراء همدان في هذا الغرض الشعري الدارج منذ الأزل بين التيار القديم التقليدي وبين التيار الجديد الإسلامي حيث يستمد معانيه من القيم الإسلامية المثلى كالتقوى والصبر والورع. هذا وقد تطرق المؤلف إلى الأغراض الشعرية الجديدة, ومنها شعر الفتوح الإسلامية، حيث ان همدان قد شاركت في كل وقائع الفتوحات التي حدثت في الشام والمشرق ومصر والأندلس، غير أن كثيراً من شعر همدان قد ضاع، ولم يبق لنا إلا أقله، والنوع الثاني من هذه الأغراض الشعرية هو التشيع لعلي وآل البيت، وتعبير الشعراء عن هذا النوع يلح على فكرة مؤداها ان الحب لهذه الشخصية ليس من باب الهوى أو العصبية، لكنه الحب الذي وقر في النفس وملأ القلب، وأنار السبيل، وقد بين المؤلف ان ظهور لفظ الوصي وذي الولاية في هذا الشعر بمثابة التاريخ المبكر لهذين المصطلحين، اللذين أصبحا من عقائد الشيعة الراسخة في حق علي في الخلافة، كذلك مصطلح الناصب وقد استخدموه لمن كان يناصب علياً العداء، ثم تطور هذا المصطلح حتى أصبح يدل على أهل السنة بصفة عامة في مقابل الشيعة، يلي هذا الفصل الرابع وهو الآخير وعنوانه اللغة تأثيرات قرائية أسلوبية ولغوية وأشارت هذه الدراسة الوافية إلى عمق الروح الإسلامية التي سيطرت على هذه الطائفة من الشعراء الذين ينتمون إلى قبيلة واحدة، ويصدرون في أشعارهم عن قدر مشترك من روح الدين الحنيف، مستلهمين أسلوب القرآن الكريم، وقد طرز المؤلف كتابه الوافي بجدول مقسم إلى ثلاثة أقسام الأول: الشاعر، الثاني: الشاهد، الثالث: الآيات القرآنية الكريمة التي تأثر بها الشاعر، واستلهمها في نصوصه الشعرية، وكان هذا بالاضافة إلى نسبة الأبيات إلى مراجعها الأساسية، وتخريج الآيات القرآنية الشريفة، وختم المؤلف القسم الأول من دراسته بخاتمة تحدث فيها عن جهده وعمله في هذه الدراسة العويصة حيث اعتمد المؤلف في الكشف عن همدان هذه القبيلة اليمنية العريقة على دعامتين الأولى: ما كشفت عنه جهود الباحثين في حضارة اليمن القديمة، والثانية: على مجموعة النقوش التي عثر عليها في بلاد همدان بصفة خاصة، ثم شرع المؤلف في القسم الثاني من الدراسة وهو الديوان، وقد بذل فيه حفظه الله وسدد خطاه جهداً مضنياً فهدف الدراسة جمع شعر همدان في كتاب يضم فضلاً عن أشعارها، أخبارها وتاريخها في طورين من حياتها الجاهلي والإسلامي، وقد رأى المؤلف ان هذه الدراسة تنساح في كل كتب التراث دون استثناء، وأن على الدارس ان يجول في مساحات واسعة من تلك الكتب وان يشملها كلها بتجواله، وأن يتركز البحث حول مصادر الشعر الأساسية كالدواوين ومجموعات الشعر التي تعرف بالاختيارات والحماسات التي صنفها علماء ثقات مثل الأصمعي والمفضل الضبي وأبي تمام والبحتري وغيرهم، ويظهر من الديوان الجهد الواضح الذي بذله مؤلف الكتاب في جمعه وتخريج أبياته، وطريقته: ان يترجم للشاعر مع ذكر مصادر الترجمة ومراجعها، ثم يذكر مناسبة النص، ويخرجه، ويذكر معاني الألفاظ وشرحها، ومن رائق الشعر ما ذكره المؤلف للجراح بن عمرو الهمداني وهي من البحر الطويل ويقول: أرى الحرص يدعوني فاتبع صوته ويز جرني اليأس الخفي مداخله فلا الحرص يغنيني ولا اليأس ما نعي نصيبي من الشيء الذي أنا نائله يرجون أيام السلامة والغنى وتغتالهم دون الرجاء غوائله وبالغ أمر كان يأمل دونه ومختلج من دون ما كان يامله ومن جميل الشعر وحسنه أبيات الشاعر سليمان ذي الدمنة وهي من الطويل: إذا المرء لم يستر عن الذم عرضه ببلغة ضيف أو بحاجة قاصد فما المال إلا مظهر لعيوبه وداع إليه من عدو وحاسد وما المرء محموداً على ذي قرابة كفاه مهماً دون نفع الأباعد ومن لا يواتيه على الجود وُجدُه فإن جميل القول احدى المحامد بذلك أوصاني أبي عن جدوده وأوصوا بذاكم عن بكيل وحاشد هذا وقد انتهت هذه الرحلة التي اتخذت من شعر همدان زاداً تقطع به هجير الصحراء، ومن أخبارها مركباً تجول فيه وتصول عبر هضابها ووديانها وشعابها، وقد اظهرت هذه الرحلة الموفقة الطويلة مقدار ما بذله المؤلف من جهد وعناء جاء نتيجة بحث وتمحيص ودراسة، فبدت قبيلة همدان على مر الحقب والعصور متباهية بتاريخها، فخورة بشعر شعرائها، وقد أشبع المؤلف الأديب دراسته هذه بالتقيد والتثبت والتوثيق، حتى ظهرت في هذا الثوب البهي الفياض، وقد زود البحث بفهارس تفصيلية دقيقة جداً، تسهل على الباحثين قراءة الكتاب والنظر فيه، وخدم مؤلف الكتاب دراسته هذه بكل ما وسعه، فقد ألحق بها خرائط تحدد المواقع، وتشرح نسبة القبيلة مشيرة إلى بطونها وفروعها.