كنت طيلة مسيرتي الصحافية أنظر للأمير تركي بن سلطان رحمه الله نظرة إعجاب بشخصيته الرزينة الهادئة, فهو بالرغم من مسئولياته وصلاحياته الإعلامية ومكانته الاجتماعية المرموقة وانتمائه كعضو شرف بارز داعم ودائم لناد كبير وزعيم للبطولات إلا أنه وسط الأجواء الإعلامية الساخنة الصاخبة ظل لما يقارب الثلاثين عاما الرجل الراقي جدا بتعامله وتواضعه واحترامه للجميع, لدرجة أن الكثيرين لم يعرفوا أنه محب وعضو شرف هلالي فاعل إلا بعد رحيله, هو بذلك قدم نموذجا وقدوة للإعلامي الحقيقي النزيه الأمين على عمله ورسالته, وهنا لا بد من الإشارة إلى أن هذه السمات الجميلة النبيلة لم تأت من فراغ فهو ابن سلطان الخير والحب والتسامح رحمه الله, كما أنه - حسب ما رواه لي عدد من زملائه في جامعة الملك سعود - كان طالبا متفوقا ومنضبطا ومهذبا وخلوقا يقدم نفسه باعتباره الطالب النابه الحريص على تحصيله العلمي أكثر وأهم من أي شيء آخر.. الأمير تركي المسئول والرياضي والإنسان يجسد ذات المنهج الحضاري الذي كان عليه وتميز به الأمير هذلول بن عبد العزيز رحمه الله في مشواره مع الهلال, ورسمه بحب ووفاء وإتقان الشيخ عبدالرحمن بن سعيد رحمه الله, لم يستخدم في مجال عمله كما الآخرين نفوذه وسلطاته لخدمة الهلال دون غيره, ولم يسخرها لانتمائه وعواطفه ومحاربة وإقصاء منافسيه, وهو ما يؤكد من جديد أننا أمام ثقافة هلالية راسخة ومتوارثة ومطلوب من الجميع أيا كانت صفتهم الالتزام بها, فكانت وما زالت المحرك القوي لتحويل الهلال من مجرد ناد إلى مؤسسة رياضية واجتماعية وإنسانية عملاقة أنجبت للوطن رجالا وعقولا ونجوما ومزيدا من النبوغ سلوكا وفكرا وثقافة, والأمير تركي رحمه الله كان من المساهمين في توثيقها وتكريس مبادئها .. حتى لا يكون اتحادا بالوصاية أن تمر المواقف والتجاوزات والحركات المسيئة والخادشة للحياء والذوق العام وإن أردتم (الذات العام) مرور الكرام وبلا تعليق من بعض المطبوعات والقنوات لأنها صادرة من ألوان وأطراف لديهم حصانة من النقد فهذا أمر مألوف وغير مستغرب منها, لكن أن يتعامل اتحاد الكرة عبر لجانه المعنية بنفس الأسلوب ولا يحرك ساكنا تجاهها فهنا الوضع مختلف وينذر بمستقبل فوضوي مخيف لاتحاد كرة ضعيف.. كثيرون وإن منهم كنا أكثر ما نخشاه بعد استقالة الأمير نواف بن فيصل أن تكون أندية النفوذ والضجيج أقوى من الاتحاد الجديد, وهذا للأسف ما حدث مع بداية عمل الاتحاد المؤقت ويحدث حاليا, رأينا قرارات غريبة وشاهدنا أحداث شغب وأهازيج عنصرية وأخرى غير لائقة وتصرفات لا أخلاقية على مرأى من المشاهدين والجماهير, ومع هذا اختار الاتحاد لنفسه أن يكون آخر من يعلم أو بالأصح كأنه لا يعلم عنها شيئا, وهو بذلك يثبت صحة وحقيقة أنه أضعف من الأندية إياها.. إذا كان اتحاد الكرة الجديد وقف عاجزا عن اتخاذ قرارات لأخطاء الكل ينبذها ويجمع على ضرورة معاقبة مرتكبيها فكيف سيكون موقفه من القضايا الصعبة؟ وهل سيمارس مستقبلا نفس الصمت وغض الطرف فيما لو ارتبطت بأندية قليلة الصيت والصوت, عديمة الحيل والحيلة؟ ليه الخير عند الغير؟ حينما أقرأ أن لاعبا إفريقيا تبرع بجزء من قيمة عقده لبناء مدرسة أو مستشفى في مدينته أو قريته, أو أن ناديا أو اتحادا في أوربا أو اليابان قام بتنظيم مباراة أو حملة لعلاج مرض ما أو مكافحة وباء أو دعم لجمعية خيرية, أتساءل أين وسطنا الرياضي أندية ونجوم واتحادات من هكذا أعمال خيرية ومسئوليات اجتماعية؟ باستثناء الهلال والشباب فإنه لا توجد أية مشاريع أو أنشطة أو مبادرات تهتم بالخدمات والمجالات الإنسانية للمجتمع, كما لم نسمع عن إقامة مباراة أو بطولة ودية يكون دخلها لصالح الجمعيات الخيرية والأيتام والمعوقين, شخصيا وبحكم عملي في جمعية الأطفال المعوقين أعرف جيدا وأشعر بوضوح بقيمة وأهمية دعم مثل هذه الجمعيات, ومردودها الديني النفسي والاجتماعي على المتبرع نفسه, كما استمع بفرح واعتزاز لآباء وأمهات الأطفال في مركز الأمير سلمان بحائل وهم يتوجهون دوما للمولى القدير بالدعاء النقي الصادق لكل الأيادي البيضاء الممتدة لهم عونا وعطاء وفي مقدمتهم معالي الدكتور ناصر الرشيد.. نحن في وسطنا الرياضي المتأزم المشحون وغير المرغوب فيه من بقية فئات المجتمع بحاجة لتحسين صورته وتصحيح أخطائه والارتقاء بممارساته, وذلك باستبدال سلوكيات الإيذاء والتعصب بأخرى تتعايش مع الناس وتتفاعل مع همومهم ومعاناتهم, ما الذي يمنع اتحاد الكرة ورابطة دوري زين والأندية من تخصيص 2% من إيراداتها السنوية للأعمال الخيرية؟ متى يبادر اتحاد الكرة وينظم مباراة ودية للمنتخب الأول مع أحد المنتخبات العالمية يكون دخلها لإحدى الجمعيات المعنية بالخدمات الإنسانية؟ لماذا لا نكون مثل غيرنا في فعل الخير لمجتمعنا؟ [email protected]