اعترف الجميع، بما كان مؤكداً، بفشل مهمة الأخضر الإبراهيمي. اعترف وزير الخارجية الروسي بأن ثلث الشعب السوري فقط لا يزال يؤيِّد نظام الأسد. اعترف أوباما ورومني، مرشحا الرئاسة الأمريكية، بأن على واشنطن وعي دورها الأخلاقي إزاء ما يجري في سورية. اعترف مؤيّدو إيران بأن الاقتتال القائم في سورية هو بين ثلاثة ملايين علوي وخمسة عشر مليون سني. في ضوء هذه الاعترافات المتأخرة، يطرح عدد من الدبلوماسيين العرب أسئلة تربط بين موسكووواشنطنوطهران. يسأل أحدهم: كيف السبيل إلى إنهاء «القضية السورية» الملتهبة، التي ربما تتطور إلى تهديد استقرار المنطقة، بل الوطن العربي، وبالتالي العالم الإسلامي؟ إلى أين ستنتهي هذه الحرب الأهلية، التي يقودها الشعب السوري في مجابهة أشرس نظام دموي عائلي عسكري أقلوي مستبد؟ هل ينتصر هذا النظام على الشعب السوري، أم تنتصر الثورة الشعبية على النظام؟ هل تفرض إيرانوروسيا وأمريكا تسوية سياسية على طريقة «لا غالب ولا مغلوب»؟ السؤال الأكثر إلحاحاً الآن: متى تنتهي «القضية السورية»؟ يعترف هؤلاء المتسائلون أن لا أحد يستطيع، الآن، أن يُجيب، جازماً، عن واحد من هذه الأسئلة، أو أن يُجيب جميع المرتبطين بالقضية، بجواب واحد قاطع عن أي من هذه الأسئلة. بعضهم يُرجّح، ولا يجزم، أنه من المحتمل أن تكون إدارة الرئيس الأمريكي الجديدة أكثر جدية ووعياً بأهمية دعم الثورة السورية، وتمكينها من الانتصار على النظام. بعض ثان يُرجّح، ولا يجزم أيضاً، بأن «القضية السورية» ستنتهي حالما تعترف جدياً، وبدون ميوعة، إدارة واشنطنالجديدة، بمصالح روسيا في المنطقة وفي العالم، بل تضمن الاستقرار والأمن في عقر الدار الروسية نفسها وما حولها، وذلك بعد أن تتخلّى واشنطن عن إصرارها على أن تشنق موسكو نفسها بحبال نظام الأسد، وتترنّح طهران تحت ثقل جنون نظام الأسد ومكابرته. لكن بعضاً ثالثاً لا يجزم ولا يُرجح، يقول إن «القضية السورية» ستنتهي فور دمار سورية، بشكل كامل شامل، كياناً وجيشاً ومؤسسات وبُنى تحتية، وحالما تبلغ الدول التي تغلي وتفور (اليمن، العراق، ليبيا، إيران، لبنان، إسرائيل) مرحلة النضج السياسي العلني الحقيقي لنشوء نظام إقليمي جديد بديل عن نظام (سايكس - بيكو)، الذي عمّر نحو أربعة وتسعين عاماً، فبلغ من العمر عتيا. يلفت هذا البعض الثالث الأنظار إلى أن بقاء الأسد، وإفرازاته الإقليمية، لا سيما دور إيرانوروسيالأساسي في هذا البقاء، أو الإبقاء المؤقت، يصبّ، أولاً وأخيراً، في مصلحة إسرائيل، التي تُراهن على أن ذلك سيُولّد الفوضى والصراع على السلطة، فور الانهيار السوري الكامل، وسيفرض تقسيم سورية، وربما دول جوارها، إلى دول عرقية ومذهبية تُبرر قيام «الدولة اليهودية» النقيَّة، التي هي اليوم مطلب جميع القيادات الإسرائيلية، وشرط وحيد لقيام دولة فلسطينية تعترف بها «الدولة اليهودية». [email protected]