تشوفه كقلب الذيب يلعج بنوره مويق على غرات حدب الجرايد راشد الخلاوي ليس هذا هو المقال الأول عن نجم سهيل, وحتما لن يكون الأخير, فالحديث في سهيل اليماني حديث شهي للروح, مطرب للفؤاد, سواء أكان حديثا فلكيا أم حديثا أدبيا, أما الفلكي فله رجاله المختصون وعند حلول الرابع والعشرين من شهر أغسطس في كل عام, وهو موعد ظهوره, يستفيض الفلكيون في الحديث في سماته وما يصاحب ظهوره من تغيرات مناخية. لذلك سيكون الحديث هنا أدبيا وإن كان لا يخلو من توضيحات فلكية. سهيل أشهر الأنجم, وأوسع الطوالع ذكراً, وأكثرها معرفة وأهمية لدى العرب, فهو نجم منتظر, محبوب, يُستبشر بطلوعه, لأنه آخر نجوم الصيف, وبطلوعه (أي ظهور نجمه) تنكسر الحرارة وخصوصا في الليل, وهذا وحده كفيل بخطف القلوب, وفيه يجنى الرطب, وكان الغواصون في السابق يتوقفون عن الغوص عند دخول سهيل, لأن الماء فيه يبرد. وبدخوله يبدأ موسم الصيد, ويقال إنه أنسب الأوقات لاصطياد الصقور. ومن عقائد البدو -كما يقول الأستاذ خالد الفرج- وخرافات السابقين أن (سهيل اليماني) أول ما يطلع يقتل الذي يراه من النعم.. قال محمد العبد الله القاضي مشيرا إلى هذه الفكرة: يا شوق عطّفت الشقاوي وصرّفت رايٍ بدا لك يا سهيل اليماني يقول إنك قتلتني بتغيير رأيك وانصرافك بعد ما أطمعتني, فكأنك سهيل اليماني. ويسمونه (البشير اليماني) وكذلك (نجم اليمن) كما يسمونه (سهيل اليماني), وهي أشهر تسمياته. ونُسب إلى اليمن لأنه نجم جنوبي أي يظهر من جهة الجنوب. والنجوم (الطوالع) الثمانية والعشرون قسمان: شامية, ويمانية. والشام في عرف العرب قديما وحديثا, يطلق على الشمال, واليمن على الجنوب, والعرب في وسط الجزيرة العربية, بين اليمن والشام. قال عمر بن أبي ربيعة محتجا على زواج سهيل بن عبدالرحمن بن عوف, من الثريا بنت علي بن عبدالله بن الحارث بن أمية، وكانت نهاية في الحسن والكمال وسهيلاً غاية في القبح والدمامة, قال مشيراً إلى مدى التفاوت بينهما, ومورّيا باسميهما: أيها المنكح الثريا سهيلا عمرك الله كيف يلتقيان! هي شامية إذا ما استقلت وسهيل إذا ما استقل يماني وقال الأعمى التطيلي: وجُنّ سهيل بالثريا جنونه ولكن سلاه: كيف يلتقيان؟ وهيهات من جور القضاء وعدله شاميّة ألوت بدين يماني وسهيل نجم نيّر خفاق, واضح يُرى قبل أوانه، ولهذا جاء في المثل: سهيل مكذب العداد. قال راشد الخلاوي: وإلى مضى خمس وعشرين ليلة يطلع سهيل مكذّب الحسّيب وهو نجم أحمر مضيء, وإضاءته قوية, فهو أقوى النجوم نورا بعد الشعرى, قال ابن المعتز يصف نوره القوي: وقد لاح للساري سهيل كأنه على كل نجم في السماء رقيب فهو لوضوحه وتميزه بين النجوم كأنه رقيب عليها. وقال المتلمس الضبعي: وقد ألاح سهيل بعد ما هجعوا كأنه ضَرَمٌ بالكف مقبوس أي كأنه نار مشتعلة من وضوحه, وفي حمرته قال محمد الهلالي: وبدا سهيل بالنجيع مضرّجًا يحكي فؤاد الصبِّ بالخفقان والنجيع الدم, أي كأنه قتيل مضرج بدمائه, وفي خفقانه يشبه قلب المحب. وسهيل متفرد واضح بين النجوم, قال المحبي: كأنما سهيل راعي نعمٍ أو فارس يقدم جيشا للوغى فشبهه بالراعي بين الغنم, والفارس الذي يقود الجيش. وهو خافق يضيء ويخفت كأنه قلب محب أو قلب مهموم أو قلب خائف, قال ابن قلاقس: وسهرت أرقب من سهيل خافقًا متفرّدًا فكأنه قلب الشجي أي مضطرب كقلب المهموم, وقال التهامي: فقمت مناديا فإذا سهيل من الخفقان كالقلب المروع وقال المفتي فتح الله: فيبدو سهيل خافقا مثل قلبه إذا اهتاج فيه وجده وهيامه وقال جران العَود النمري: أراقب لوحًا من سهيل كأنه إذا ما بدا من آخر الليل يطرف ومعنى (لوحا) في البيت: ظهورا, من لاح يلوح إذا بدا وظهر.. واستفاض الشعراء بتشبيه خفقانه, قال راشد الخلاوي: تشوفه كقلب الذيب يلعج بنوره مويق على غرات حدب الجرايد شبه خفقانه بخفقان قلب الذئب, وخص الذئب لأنه كثير الحركة لا يهدأ, وكثرة الحركة تنشط خفقان القلب. وقال محمد العبد الله القاضي: ويظهر لك النجم اليماني وطرفه يقلّب كدرة خاتم بيد مايق شبه بريقه وخفقانه ببريق فص الخاتم بيد مغرور معجب بنفسه وخاتمه, وخص المغرور لأنه من شدة إعجابه بخاتمه يقلبه في يده. وقال إبراهيم العبد الرحمن الطريف: أربع معه عشرين أغسطس وتنتهي طالع سهيلٍ يوم تشرف مراقبها يزحف على بطنه يوايق ويختفي كالذيب يدرق صيدته يوم يضربها شبهه بالمتسلل الذي يزحف على بطنه فيطل برأسه تارة ويختفي أخرى ويختل مثلما يختل الذئب صيده. وسهيل نجم تعلقت به العرب, وصار عندها كأنه رمز لها ولبلادها, قال مالك بن الريب التميمي, راثيا نفسه, بعد أن لدغته حية وهو في الطريق إلى خراسان مجاهدا: أقول لأصحابي ارفعوني فإنني يقرُّ بعيني أن سهيل بدا ليا قال محقق جمهرة أشعار العرب أستاذنا الدكتور محمد علي الهاشمي, شارحا المعنى: وقوله «يقر بعيني أن سهيل بدا ليا» يريد: أن سهيلا لا يُرى بناحية خراسان, فيقول ارفعوني لعلي أراه فتقر عيني, لأنه يُرى في بلده. وورد في بعض روايات القصيدة, بيت بعده, هو: بأن سهيلا لاح من نحو أرضنا وأن سهيلا كان نجما يمانيا ورؤية سهيل تذكر العشاق بأحبابهم.. قال العباس بن الأحنف: طربت إلى أهل الحجاز وقد بدا سهيل اليماني واستهلت مطالعه وفي الماضي كان الناس في الحر ينامون في سطوح المنازل أو في العراء, ولذلك كان سهيل رفيقا للعشاق الساهرين من شدة الوجد, واشتغال القلب, فكأنه نديمهم الذي يسامرهم إلى الصباح, والساهر يطلق نظره في السماء, ولذلك فإن عينه تنجذب نحو سهيل, لأنه الأوضح والأجلى نورا بعد الشعرى كما ذكرنا من قبل, قال عبد الله العليوي: يا ما كتبت اسمه على نجمة سهيل آصل بنور العين عالي سماها لأن قلبه مشتغل بمحبوبه وعينه متعلقة بسهيل, وكتابة الاسم في صفحة النجم البعيد دليل على شدة التعلق, ودليل على شدة التقدير والتبجيل. وسهيل رفيق لكل ساهر وليس العشاق وحدهم, قال أحد الشعراء في محاورة قديمة: يا سهيل اليماني لا تغيبي ودي أسري وأبي دربي عدال وسهيل نجم بعيد جدا, يقال إنه يبعد عن الأرض مسافة 313 سنة ضوئية.. لذلك ضُرب به المثل في التبعيد والتيئيس, قال علي الغراب الصفاقسي: فقل لفتى يحاول منه وصلا أتطمع في البلوغ إلى سهيل! وقال علي بن يحيى المنجم: جفاني أبو أيوب نفسي فداؤه فعاتبته كيما يريع ويعتبا فوالله لولا الضنُّ مني بوده لكان سهيل من عتابية أقربا [email protected]