بدأت في العاصمة الماليزية كوالالمبور أمس الندوة العلمية حول «مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز للحوار بين أتباع الأديان والحضارات» التي تنظمها الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وتستضيفها الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا. وبدأ الحفل الذي حضره معالي مستشار خادم الحرمين الشريفين الأمين العام لمركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات فيصل بن عبدالرحمن بن معمر، وسفير خادم الحرمين الشريفين بماليزيا فهد الرشيد، بالقرآن الكريم. ثم ألقت مديرة الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا الدكتورة زليخة قمر الدين كلمة أكدت من خلالها أن مبادرة خادم الحرمين الشريفين للحوار بين أتباع الأديان والحضارات تمثل مرتكزاً قوياً لمعالجة العديد من القضايا والتحديات ذات الأبعاد الجيوسياسية والثقافية والحضارية.. وقالت: إن الكثير من هذه المشكلات على حد تصور العديد من الأكاديمين ناتجة عن فكرة صدام الحضارات ولتجنب هذا المآل, تأتي مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لإعادة الحوار بين أتباع الأديان والحضارات وبناء علاقات عالمية متوازنة من أجل السلم والاستقرار والتعاون. وعدت مبادرة خادم الحرمين الشريفين بالقاعدة الصلبة ومنها يستوجب ضرورة الانتقال وتحويل الرؤية إلى واقع ملموس يستفيد منه العالم كافة، مشيرة إلى أن هذه الندوة تعقد في وقت مناسب وستناقش قضايا مهمة بوجود نخبة من العلماء. بعدها ألقى معالي مدير الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة الدكتور محمد العقلا كلمة أكد فيها أن سماحة الدين الإسلامي وإنصافه، جاءت بإقرار الحق مهما كان مصدره، والاعتراف بالصواب بغضّ النظر عن قائله. وأضاف أنّ مبدأ الحوار بين أهل الأديان مبدأ قرآني خالص، وأسلوب نبويّ مشروع، إذ نجد القرآن ينادي أهل الكتاب في أكثر من موضع، محاوراً لهم في شبهاتهم، ومتسائلاً عن أدلتهم، يقابل الحجة بالحجة، منطلقاً إليهم مما يؤمنون به، ومحتجّاً عليهم بما يعتقدون، ومناقشاً لهم فيما خالفوا فيه الحق. وأشار إلى أن هذا المبدأ هو الذي وفق الله خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- للانطلاق منه، في مبادرته السامية «للحوار بين أتباع الأديان والثقافات»، وهي المبادرة التي تنعقد حولها هذه الندوة المباركة. وأكد أن هذه المبادرة تفترض أن الحق مُشاعٌ لا يحق لأد احتكاره، والصواب ضالة يسعى كل صاحب دين أو ثقافة تحصيله، وما لم يؤمن أصحاب الأديان والثقافات بهذه الفكرة، فلا يمكن تحقيق التعايش والتوافق والتسامح الذي هو أساس العلاقة بين الإنسان وأخيه الإنسان.. وقال الدكتور العقلا: إن الحوار هو وسيلة الأطراف المفترقة لتجد أرضاً مشتركة، تقف عليها الأقدام راسخة لتبدأ منها تحديد أوجه الاتفاق والقواسم المشتركة، وتضع أيديها على مواطن الاختلاف، دون إلزام طرفٍ بالتنازل عما يعتقد من مبادئه وثوابته لأجل الآخر، وبعيداً عن نبذ المخالف والتنكر لما يعتقد. وأشار إلى أن هذه الندوة تحاول إبراز أهمية مبادرة خادم الحرمين الشريفين للحوار بين أتباع الأديان لتفعيلها والإفادة من سموّ فكرتها، سعياً لإعادة هيكلة العلاقات الإنسانية على أسس العدالة والتسامح والتعايش السلمي بين الجميع، واستشراف عوامل وإمكانات إعادة بناء الثقة بين العالم الإسلامي والآخر. وفي ختام كلمته قدم مدير الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة صادق الشكر والتقدير لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، ولسمو ولي عهده الأمين -حفظهما الله- وحكومتهما الرشيدة على ما تحظى به الجامعة من دعم ومساندة في شتى مناشطها. كما قدم الشكر لمركز الملك عبدالله العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، ولسفير خادم الحرمين الشريفين بماليزيا على كريم تعاونهم، وكذلك شكر الجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا على تعاونها وجهودها في تنظيم هذه الندوة. بعدها ألقى معالي الوزير المكلف للشئون الإسلامية في ماليزيا اللواء داتو سري جميل خير كلمةً أكد فيها دور الدين في بناء الحضارة وأنه يغرس القيم النبيلة في المجتمعات، مشيراً إلى أن العالم يواجه أزمات كبيرة لا حل لها إلا بالحوار الذي يعزز التفاهم بين الشعوب، مثمناً مبادرة خادم الحرمين الشريفين للحوار بين أتباع الأديان والثقافات ودورها في تأصيل تلك القيم النبيلة للتعايش السلمي بين مختلف الشعوب في العالم، التي توفر أسس قوية لمزيد من التفاهم وتعزيز ثقافة احترام الحوار والسلام والأمن والاعتدال المتبادل. وفي ختام حفل الافتتاح تبودلت الهدايا التذكارية بهذه المناسبة. عقب ذلك بدأت أولى الجلسات العلمية للندوة بورقة عمل بعنوان «مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات.. آمال وتطالعات» قدمها معالي مستشار خادم الحرمين الشريفين الأين العام لمركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات فيصل بن عبدالرحمن بن معمر، أكد فيها أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود عبر في كلّ مناسبةٍ عن إيمانه العميق بأهمية أن يسودَ السلامُ كلَّ مناطقِ النزاعِ، وأن تتمَّ معالجةُ المشكلات بالحوارِ الذي يُرسِّخُ المبادئ المشتركة بين الأممِ والحضاراتِ المختلفةِ، ويسعى إلى تعزيز التعايش والتفاهم وإشاعة القيم الإنسانية، كمدخل لإحلال الوئام محل الصدام؛ ونزع فتيل النزاعات، والمساهمة في تحقيق الأمن والسَّلام العالميين المنشودَين. وقال: على الصعيد المحلي؛ فعِّلت المملكة العربية السعودية ثقافة الحوار على أوسعِ نطاقٍ، وتبنَّت عام 2003 م مفهوم «الحوار الوطني» الذي تتواصل من خلاله العقول والأفئدة لتناقش بكل شفافية ما يجمع كلمتها ويوحّد رسالتها بكل قناعة ومصداقية لنشر الوسطية والاعتدال والاحترام، حيث تمَّ إنشاءُ مركزٍ متخصصٍ للحوارِ الوطني، يشاركُ فيها جميعُ أطيافِ المجتمعِ السعوديِّ، وانطلاقاً من الآمال بالإخاء والتعايش بين أتباع الأديان والثقافات، وبحكم مسؤوليتها الدينية والسياسية، أطلق خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز مبادرته التاريخية للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، وأسفرت لقاءاته مع قيادات دينية وسياسية عالمية، من بينها لقاؤه التاريخي مع البابا الفاتيكان، وتواصله مع مختلف الفعاليات العالمية، وتبنيه للمواقف الحضارية- عن بدأ المبادرة التاريخية والإنسانية التي تسخّر السياسة لخدمة الدين؛ ووضعت حلولاً حضارية للعالم، مُفعمة بالتفاؤل، والتأكيد على أن ما يحدث الآن من صراع لا يشكّل ظاهرة، بقدر ما يشكّل حالة طارئة ليصبح الحوار والتعايش أفضل تقديم للثقافة الإنسانية بأسرها. وقال ابن معمر: إن خادم الحرمين الشريفين أطلق مبادرته للحوار بين أتباع الأديان والثقافات ثم توالت اللقاءات والمؤتمرات وكان من ثمرتها تأسيس مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز الدولي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات في فيينا لنشر قيم التسامح، والمحبة والأمن والسلام والتعايش في أرجاء المعمورة قاطبة من خلال ثلاثة محاور: أولها: احترام الاختلاف من خلال الحوار، بحيث يصبح المركز حاضنة للتواصل بين أتباع الأديان والثقافات وللتبادل والتعلم التطبيقي، والتعامل مع المجالات الرئيسة للمفاهيم الدينية الخاطئة بين أتاع الأديان، واستخدام مشاركة الأفراد والمؤسسات لتفعيل الحوار وتطبيقه.. والمحور الثاني: تأسيس قواسم مشتركة بين مختلف الجماعات من خلال تشجيع التوافق بين الجماعات حول القضايا الإنسانية، والمشاركة في فعاليات تقنية وثقافية وتراثية مرتبطة بجدول أعمال المركز الخاص بالحوار بين أتباع الأديان والثقافات، وإطلاق برنامج عالمي مع المراكز العالمية للحوار والمؤسسات المشابهة لتشجيع مشاركة الشباب عبر برامج وفعاليات متنوعة وإطلاق برامج تدريبية لتنمية مهارات الحوار والاتصال لديهم، وجذب اهتمامات وطاقات الشباب إلى قضايا وقيم الحوار بين أتباع الأديان والثقافات. والمحور الثالث: تحقيق المشاركة الدينية والحضارية والمدنية بين القيادات الدينية والسياسية من خلال توفير محافل لمناقشات ملائمة رفيعة المستوى لإشراك صانعي السياسات في المناظرات الخاصة بالقضايا الدينية والثقافية. وإعداد «منتج» إستراتيجي أو»خدمة» إستراتيجية يختص بها المركز وتقدم مساهمة متميزة ومستمرة في مجال الحوار عالمياً، والعمل مع آخرين لتأسيس مجموعة خاصة نموذجية متعددة الأطراف تتألف من شخصيات دينية ومدنية وتتمثل مهمتها في مناقشة ومناظرة وإصدار تقرير متفق عليه حول موضوع «الدين خيار للتمكين» والتكليف بأبحاث حول المواقف العامة وفهم المبادئ الدينية الأساسية وكيف تنعكس أو لا تنعكس على الأسس المجتمعية المدنية، والسعي إلى إيجاد حلول للنزاعات الدينية بحيث يصبح الدين جزءاً من الحل. وفي ختام ورقته أكد معالي مستشار خادم الحرمين الشريفين الأمين العام لمركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات فيصل بن عبدالرحمن بن معمر أن الحوار الفعال يعني نشر الوسطية والاعتدال ونبذ التطرف والتشدد الديني الذي ينكر حق الآخرين، إنه الحوار القائم على المبادئ والقيم المشتركة بين مختلف العقائد والديانات وبذلك يكون حوارًا بناءً من أجل عيش كريم آمن للبشرية جمعاء. يذكر أن الجلسة الأولى تضم كذلك بحثاً بعنوان: «جولات الحوار بين الأديان والحضارات التي قادتها المملكة العربية السعودية: «الأهداف، والنتائج» لوكيل الجامعة الإسلامية للتطوير الدكتور محمود بن عبدالرحمن قدح، وبحثاً حول «الحوار مع الشرق.. حوار أفراد أم حوار مؤسسات دينية» لعضو هيئة التدريس بالجامعة الوطنية بماليزيا الدكتور فضلان محمد عثمان، كما يطرح عميد شئون الطلاب بالجامعة الإسلامة الدكتور سليمان بن عبدالله الرومي بحثاً عن «الخطاب التاريخي لخادم الحرمين الشريفين في الجمعية العامة للأمم المتحدة وتأصيل العلاقة بين البشر في منظورها الإسلامي».