أزمة الفقه المتجمد على تشبيهات القدماء وآرائهم تسببت في الماضي القريب بظهور الإرهاب تحت مسمى الجهاد الديني، (وذلك لأن الجهاد الديني اعتمد على الشبه في تنزيله للنصوص وأقوال الفقهاء تبعا للفقه المتجمد القائم على التشبيهات). واليوم، ومع هذه الطفرات العلمية العولمية، تسببت أزمة الفقه المتجمد على تشبيهات القدماء وآرائهم في تغيير كثير من القناعات وتبديل كثير من المراكز. فهناك موجة الإلحاد المنتشرة غالبا في شباب سئموا من تناقضات الفقهاء وسطحية أفكارهم ودعوى رهبانيتهم. وهناك السلفيون المتحولون الذين عادوا إلى فقه الرأي والسياسة بعد أن تعبوا وخجلوا من ترقيع مالا يترقع من تناقضات التراكمات الفقهية التي حفظوها من مشايختهم. فمنهم من انضم للسلفية الجهادية، ومنهم من اتجه للسلفية الإخونجية. وهناك فكر نقض التراث الذي يمثله الدكتور عدنان ابراهيم من أجل التحرر من التبعية، وهناك المتصوفة الذين ليس لهم في السياسة فهم أهل الروحانيات النفسية، إلا أنهم يميلون مع كل من يرفع شعار الدين دون أن يعترضهم أو يعترض الآخرين، وهناك اتجاهات أخرى هنا وهناك إلا أنها أصبحت كلها تجتمع في نهاية واحدة، وهي تحكيم الرأي والسياسية في تطبيقات الدين لا في تحكيم الكتاب والسنة تحكيما صحيحا (باعتماد العلل والقواعد)، وهذه النهاية المتمثلة في تحكيم الرأي والسياسة هو دستور فكر الإخوان المسلمين. فالإخوان لم يختلفوا قط مع أحد في مذهبه أو وسيلته طالما أنها تُوصل إلى الغاية، وهي الحاكمية بشعار الدين وليس بتطبيق الدين. ولذا فقد أصبح الإخوان اليوم هم الملجأ للفارين من ألم حيرة الإلحاد، وملجأ للباحثين عن دين له علاقة بالواقع الذي يعيشونه، فوجد الجميع ضالتهم في فقه الإخوان المسلمين. ففقه الإخوان المسلمين يتمثل في مسايرة ما يريده الشارع المسلم، وما تمليه المصلحة بدعوى فقه المقاصد، وبالاستدلال بعموميات الأدلة الشرعية، وبالاستشهاد بما يناسب من أقوال الفقهاء القدامى، التي هي في كل مسألة تتراوح بين أقصى التحريم إلى أقصى التحليل. المدارس الشرعية في العالم الإسلامي الحديث على اختلاف تفاصيلها ترجع في منهجيتها إلى مدرستين اثنتين: السلفية والإخوان المسلمين. وزعماء تركيا وماليزيا اليوم هم من خريجي المدارس الشرعية التي ترجع في أصلها إلى مدرسة الإخوان المسلمين. ولذا، فإن نجاح تركيا وماليزيا سياسيا واقتصاديا هو الذي مهد الفوز السياسي للإخوان المسلمين في بلاد الربيع العربي. كما أن النجاح التركي والماليزي كان له دور كبير في إقناع الكثير بصلاحية الإسلام السياسي على الطريقة الإخوانية. ولهذا، فأمام موجة الإلحاد التي بدأت تغزوا شباب المسلمين، أو أمام اليأس من إصلاح الفساد المتأصل في المجتمعات الإسلامية فإن المسلمين المستقلين والسلفيين وغيرهم أصبحوا يتناقصون اليوم بمعدل متزايد وسريع في صالح الإخوان المسلمين. وصدق الله « وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين أمنوا» واليوم ، وبعد أن جُمدت السلفية الحقيقية بأن اُختزلت فجُعلت إرثا من مجد ومال لا فضلا من علم وتقوى يتوارثه من أضاعوه بالتكاسل والتواكل ودنسوه بالأطماع، ها نحن نستمر في تجاهل وإنكار اضمحلال السلفية الحقيقية حتى بعد أن ظهر جليا ما كان مسكوتا عنه بالأمس: بأن الحقبة القادمة هي حقبة الإخوان المسلمين. [email protected] تويتر@hamzaalsalem