تعيش المملكة طفرة تنموية ثانية.(غير مسبوقة) بثروة أضخم. وعدداً وتنوعاً من المشاريع أكثر.وحجماً اكبر.ونطاقاً جغرافياً أوسع وباعتمادات مالية تفوق التوقعات .وبإذن الله فإنما هو قادم أفضل.غير أن من المؤسف حقاً. انعدام التنسيق المسبق بين الجهات ذات العلاقة فيما يتعلق بمشاريع التنمية الشاملة على مستوى المملكة من بنى تحتية ومرافق وخدمات. بدأ من فكرة الحاجة لهذا المشروع أو ذاك وإعداد الدراسات والتصاميم والمواصفات ورصد الاعتمادات وطرح المشروع للمنافسة ثم الترسية وتسليم الموقع والإشراف على التنفيذ والمتابعة وحتى الاستلام النهائي للمشروع من قبل جهاز متخصص على مستوى المملكة. مع تأهيل لمنشآت القطاع الخاص الوطني. في مجال المقاولات والاستشارات والإشراف الهندسي لتحقيق الاستغلال الأمثل والاستفادة القصوى من كافة الطاقات البشرية والإمكانات الفنية والمادية من هذه الطفرة التنموية وما قد يجد من مشاريع تنموية مستقبلية. قبل ثلاثة عقود خلت مرت المملكة بطفرة تنموية ومعها برزت مؤسسات وشركات وطنية في نشاط المقاولات والصيانة والتشغيل تمكنت من المساهمة بفاعلية في تنفيذ مختلف مشاريع التنمية من مبانٍ وطرق وجسور وسدود وخدمات صحية وبلدية وتعليمية وشبكات المياه والصرف الصحي وغيرها واكتسبت خبرة جيدة لا يستهان بها في تلك الفترة استحدثت من أجلها وزارة الأشغال العامة (ومعها الإسكان) وأصبحت هي الجهة المعنية بالإشراف الفني على تنفيذ مشاريع الدولة غير أن أزمة للإسكان قد طرأت في ذلك الوقت واستحوذت على الجزء الأكبر من اهتمامات تلك الوزارة وباعتبارها أزمة وقتية؛ فقد اختفت الوزارة بزوال تلك الأزمة التي كانت سبباً لوجودها ومع التخطيط الجيد والعمل الجاد في هذا العهد المبارك عهد الخير والنماء فإن من المؤمل بمشيئة الله زوال أزمة الإسكان الحالية قريباً أما قطاع الأشغال العامة المتمثل في عدد من الإدارات المتواجدة في الوزارات والمحافظات بمختلف المسميات مثل : المشاريع، الدراسات، الخدمات، التصاميم، الإشراف الصيانة، التشغيل.. هذه جميعها تتطلب التنسيق فيما بينها من خلال جهاز مركزي (وزرة الأشغال العامة) كما يعنى بالاهتمام بالعاملين في نشاط المقاولات والاستشارات والإشراف الهندسي. وأمامهم من الفرص محلياً وخارجياً ما يؤهلهم للاستمرار في هذه النشاطات بإذن الله. ولأن نشاط الوزارة في ذلك الوقت تجاه قطاع المقاولات والاستشارات كان محدوداً فقد اضطرت بعض الشركات والمؤسسات الوطنية العاملة في هذا المجال للتوقف أو التحول لنشاط آخر نظراً لما تعرضت له من معاناة ومصاعب ألحقت بها الخسائر نتيجة لما لاقته من تعقيدات وإحباطات من بعض المختصين فمن تأخير تسليم المواقع والتسويف في اعتماد مراحل التنفيذ والاستلام الابتدائي والنهائي للمشروع وفرض الغرامات وتعطيل صرف المستحقات ومصادرة الضمانات النهائية رغم تذمر المقاولين وشكاواهم وما ذاك إلا بسبب إطلاق العنان لبعض العناصر الأجنبية لتولي المسئولية وتحكمها في الأجهزة الفنية لمعظم الإدارات الحكومية وكذا الشركات والمكاتب الاستشارية المشرفة على تنفيذ المشاريع في ذلك الوقت كما اختفت بعض المؤسسات والشركات الفردية تلك التي لم تبنى على كيانات مؤسسية . والآن مع وجود ما يزيد على (30,000) مؤسسة وشركة متخصصة للعمل في مجال المقاولات وقرابة (80,000) مهندس يمثلون (80)دولة وحوالي (3.000)شركة ومكتباً هندسياً استشارياً في المملكة والآلاف من المهندسين السعوديين على أبواب التخرج محلياً وقدوم الآلاف من المبتعثين في مختلف التخصصات وفي هذا العهد الزاهر .. أليس من حقهم أن يفرحوا ويحتفى بهم للمشاركة في اقتطاع نصيبهم من هذه الكعكة التنموية المباركة غير أن عقدة الأجنبي ظلت ملازمه لبعض الجهات الحكومية لتوجيه الدعوات لشركات أجنبية والتعاقد معها لتنفيذ مشاريع إنشائية كمدارس ومساكن ومرافق خدمية عادية وأخرى للإشراف فلا مواصفات تقنية ولا مباني ذكية يتاح لها من الفرص وتمنح من الاستثناءات ما لم يتح أو يمنح لغيرها من الشركات الوطنية التي تعمل منذ سنوات في حين تقوم هذه الشركات باستقدام حديثي التخرج ثم لندفع نحن لهم الأجور العالية ليكتسب هؤلاء المستقدمين الخبرة بالتعلم (الحلاقة في رؤوسنا) وأنه إذ لا بد من ذلك فالأولى أن يكون المتعلم هم أبناؤنا لتبقى خبراتهم في بلادنا ولنريح الأجيال القادمة من متعلمين جدد في رؤوسهم وحتى لا ينطبق علينا المثل (من عرفك صغيرا حقرك كبيرا). وبما أن لكل قطاع راعٍ بعد الله كالصناعة والنقل والسياحة فإن قطاع المقاولات وهو في عرف الاقتصاد ( صناعة ) ومعه الاستشارات الهندسية رغم أنه قطاع كبير يمثل حجماً استثماريا لا يستهان به ويعول عليه في كثير من دول العالم باعتباره أحد الأذرعة الاقتصادية فإنه لا زال يتيماً بين أهل موسرين قد انشغلوا عنه في خضم الحياة حيث يفتقد إلى الراعي الذي يعنى بتنميته وتطويره وحمايته من المنافسة غير المتكافئة في (عقر داره) من شركات أجنبية بعضها حديث عهد بالنشاط، مقاولي الباطن ومقاولي الشنطة المرخصين في مجال الاستثمار ومنهم (المتستر على غيره)!؟ وضماناً لجودة وسرعة إنجاز المشاريع والمرافق التي تخدم عباده المؤمنين وحتى لا تتكرر تلك الظروف ويخسر الاقتصاد الوطني العديد من الفرص في هذه المراحل التنموية ويظل جزء من العاملين في قطاع المقاولات والصناعة والاستشارات الهندسية والكوادر البشرية الوطنية في موقف المتفرج كمن (يرعى الحيا بعيونه) فإن من الأهمية استحداث جهاز مركزي (وزارة الأشغال العامة) وانتشار فروع لها على مستوى المملكة تعنى بالتنسيق بين مختلف الجهات الحكومية وتوحيد جهودها فيما يتعلق بمشاريع التنمية الوطنية جميعها من إنشاءات وبنى تحتية من حيث التوقيت والتصميم والإشراف وتسليم المواقع وإجراء اختبارات الجودة واعتماد المواصفات وحساب التكاليف واستلام الأعمال والمواد كما يتابع ويوجه ويدعم ويقيم سلوك قطاع المقاولات والصيانة والتشغيل والإشراف الهندسي ليأخذ وضعه الطبيعي في ربوع وطنه فهو أولى بالاستفادة من خيراته باعتباره أحد القطاعات العاملة في خدمة أهداف التنمية مع تشجيعه على الدخول في اندماجات وتحالفات محلية (كونسرتيوم) بما يساعد على تنشيط هذا القطاع .. ويبعث الروح فيه من جديد للمشاركة بفاعلية في تلك النهضة التي تشهدها أرجاء مملكتنا الغالية وتمكينه من الدخول في منافسات المشاريع الضخمة محلياً وخارجياً . من الأهمية أيضاً قيام الدولة بتبنى تأسيس عدد من الشركات المساهمة في مجال المقاولات, والاستشارات متنوعة ومتخصصة وبدعم مادي ومعنوي من الدولة ومنحها الأولوية والأفضلية لتمكينها من تأهيل الكوادر الوطنية ليستفيد الوطن وشريحة كبيرة من المواطنين المؤسسين لها والمساهمين فيها والعاملين بها عند تأسيسها والعمل على تفعيل دور هيئة المهندسين ومنحها دوراً يليق بمهمتها لخدمة منسوبها بدلاً من الشركات الأجنبية وعمالتها الوافدة التي تقتطع نصيب الأسد من أقيام العقود والمقاولات في هذه المرحلة. العقد الموحد ( فيدك ) الذي يؤدي إلى حل العديد من العوائق والمشاكل التي قد تحدث نتيجة التعامل مع القطاعين الحكومي والأهلي ومعه (كود البناء) المؤدي لتوفير الجهد والوقت والتكاليف كما لا بد قبل الإعلان عن المنافسات العامة أن يسبقه بفترة زمنية مناسبة (إعلان النوايا) عن اعتمادها والتوجه لطرحها للمنافسة ودعوة الشركات والمصانع الوطنية ( للتهيئة لها بوقت كافٍ ) فمثل هذه المشاريع المتعددة والمتنوعة جغرافياً ونوعياً وحجماً ورقماً لا بد من الاطلاع والاستعداد لها والإعلام عنها من خلال الغرف التجارية لدعوة منسوبيها للاستعداد وجلب معدات ومواد إضافية وإجراء التوسعات وفتح خطوط إنتاج جديدة وتوفير الضمانات والسيولة الكافية لتمكينها من تلبية احتياجات هذه المشاريع بالتنسيق مع مختلف الجهات ذات العلاقة لتحقيق الاستفادة المثلى من هذه الطفرة في هذا ( العصر الذهبي ) بما يخدم المصلحة الوطنية. ومع تنامي حجم وعدد المشاريع خلال الخطط الخمسية التنموية المتتابعة على مدى قرابة نصف قرن فإنها تفتقد لجهاز مركزي متخصص يمثل لها مرجعية رسمية (وزارة للإشغال العامة ) وتلافياً للجهود المشتتة بين مختلف الجهات ذات العلاقة للقطاعات الوطنية الأربعة المقاولات، الاستشارات، الصناعة، القوى العاملة بما يؤدي إلى إتاحة المزيد من الفرص أمام العنصر البشري الوطني بصفته الاستثمار الأمثل والأهم الباقي داخل الوطن في هذه المرحلة التنموية وباعتبار هذه الوزارة جزءا مكملا لهيكلة الدولة المدنية الحديثة كما في بقية دول العالم فإن الأمل معقود باستحداثها من جديد . خاصة وأن المقر الرئيسي والفروع وكذا الهيكلة الإدارية والفنية لازالت موجودة لتتولى مسئولية المتابعة والمراقبة والإشراف والتقييم والتقويم والحد من الثغرات المؤدية للاتكالية ( كل يعمل على شاكلته ) وتشتت المسئولية المؤدية إلى الأخطاء الفنية والفساد المالي والإداري والفني المؤدي لتعثر بعض المشروعات الحكومية التي تجاوزت قيمتها (2) ترليون ريال ما أدى إلى تعطل الاستفادة من خدمات تلك المشاريع وما ترتب على هذا التعثر من خسارة مادية نتيجة إعادة طرحها في منافسة ثانية وإجراء التعديلات على مواصفاتها وتصاميمها وأحياناً الإزالة وإعادة البناء من جديد. وبالله التوفيق. [email protected] *الأمين العام المساعد لمجلس الغرف السعودية (سابقاً)