نواصل في هذه الزاوية بعضاً من درر أهل العلم في تقرير منهج السلف الصالح وتقريره في ظل الأحداث والمتغيرات ليقوي جانب الثبات لكل مسلم على هذا الدين بالاتباع الصحيح ومن ذلك ما وقفت عليه لسماحة العلامة مفتي الديار السعودية الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ المتوفى سنة: 1389ه حيث أرسل رسالة نصح فيها بعض تلامذته كما في مجموع الفتاوى (12-182) ونص الرسالة كالتالي: ((بلغني أن موقفك من الإمارة ليس كما ينبغي، وتدري - بارك الله فيك - أن الإمارة ما قصد بها إلا نفع الرعيَّة، وليس من شرطها أن لا يقع منها زلل، والعاقل بل وغير العاقل يعرف أن منافعها وخيرها الديني والدنيوي يربو على مفاسدها بكثير. ومثلك إنما منصبه منصب وعظٍ وإرشاد وإفتاء بين المتخاصمين ونصيحة الأمير والمأمور بالسِّرِّ، وبِنِيَّةٍ خالصة تعرف فيها النتيجة النافعة للإسلام والمسلمين. ولا ينبغي أن تكون عثرة الأمير أو العثرات نصْبَ عينيك والقاضية على فكرك، والحاكمة على تصرُّفاتك بل في السرِّ قم بواجب النصيحة، وفي العلانية أظهر وصرِّح بما أوجب الله من حقِّ الإمارة والسمع والطاعة لها، وأنها لم تأتِ لجباية أموال الناس، وظلم دماء وأعراض من المسلمين، ولم تفعل ذلك أصلاً إلا أنها غير معصومة فقط فأنت كن وإياها أخوين: أحدهما: مبيِّن واعظ ناصح. والآخر: باذل ما يجب عليه كافُّ عن ما ليس له، إن أحسن دعا له بالخير ونشَّط عليه، وإن قصَّر عومل بما أسلفت لك. ولا يظهر عليك عند الرعية ولا سيَّما المتظلمين بالباطل عتبك على الأمير وانتقادك إياه، لأن ذلك غير نافع الرعية بشيء، وغير ما تعبَّدت به إنما تعبَّدت بما قدمت لك ونحوه، وأن تكون جامع شمل لا مشتت، مؤلِّف لا منفِّر، واذكر وصيَّة النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ وأبي موسى: ((يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا ولا تختلفا)) أو كما قال صلى الله عليه وسلم وأنا لم أكتب لك ذلك لغرض سوى النصيحة لك وللأمير ولكافة الجماعة ولإمام المسلمين والله ولي التوفيق والسلام عليكم)) انتهى كلامه. وإذا تأملنا في هذه الكلمات النيرات وجدنا أنها من عالِم لتلميذه يعاتبه على فعل صدر منه وينصحه في ذلك حيث أكد الشيخ في هذه النصيحة على أصول عظيمةً منها. معرفة قدر الأمير في إمارته وأنه قد تحمل مسئولية في نفع الرعية وهو عرضة للخطأ بحكم بشريته. ومنها أن العالم والمدرس عليه أن يقوم بواجبه في عمله ويسلك المنهج الصحيح في مناصحة الأمير لا أن يكون همه تتبع العثرات وإشاعتها بين الناس. أن المسلم لا يكون باب فتنة وشر بأفعاله واجتهاداته لتأليب الناس على إمامهم بل يكف عما ليس له ويبذل ما يجب عليه بحكمة ورفق. أن يبتعد المسلم عن العتب والنقد في حق السلطان لما في ذلك من فوات المصلحة ووقوع المفسدة. حرص كبار العلماء قديماً وحديثاً على النصح وخاصة المتعجلين في الحكم على المسائل العامة، وهذا يدل على حرص الشيخ محمد بن إبراهيم مع انشغاله بالتدريس والأعمال الأخرى إلا أنه لم يترك هذا الجانب المهم في النصح في هذا الأمر. والله ولي التوفيق. *وكيل جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية