كان لزخات المطر لحن أسطوري كبكاء عود بين ترانيم الوجع تحنو به معزوفات الناي وتسمو وتعلو للسماء بين انشقاقات الفجر... هاجرت أحلامك كأسراب من طيور منذ عشرين عاماً «من بيروت».. باريس - رواية لا تكتمل - حلم بالوجود مدينة الحب -العيش بها كنعومة نسيمها بين وجوه العابرين قصص من انتظار، هشة جميع الأحداث كافتقاد روح، مضى الوقت سريعا، مكلف ثمن البقاء، ومكلف الرحيل بلا لاشيء. الثامنة بلا “ عُمْرٍ" على ناصية أحد المقاهي في شارع الشانزلزيه يجلس عمر الذي خط الشيب على تجاعيده، ملامح السماحة والطيبة فقط من نظره، في هذا الصباح الرمادي، يراقب المارة، يبحث عنها ويرحل من شعور الفقد إلى اللاشعور، يأخذ عمر معطفه ويمسك بالعصا، يجتر أحزانه وحيدا ً في باريس.. «لي يراها» لقد نسيت منديلك سيدي، يناديه سعد طالب الماجستير الذي جلس مكانه. أتركه يا بني سأعود غداً لكي «أراها» يجيبه عمر كم من السنين ضاعت في الكتابة على قطع من مناديل.. وكم من قهوة لم تعد بها،وكم من صباح أضنى الفراق روحك به،عمر يكتب في كل صباح كلمة واحدة، بعد احتسائه للقهوة «لم أراها». صباح يوم الثلاثاء 25-12-2007م «سعد» «على الطاولة» صاحبة القصة، كان للفقد ملامح بك ياسعد، ينظر ويراقب عبور الأشخاص، كم هو سريع كعبور الزمن، يرى عمر بين «الجمع» منفرداً كالعادة كان صوت خطواته وصوت العصا كضرب جلاد بلا رحمة. - صباح الخير سيد عمر؟ - أهلاً - هل لي أشاركك قهوتك - بالطبع يا بني ((حديث عمر وسعد- حديث هذا الصباح – قهوة باريسية)) كان سعد يتحدث مع عمر بروح الابن بعائلة لم ينتمي يوماً لها سواء بالاسم كان في رموش سعد الف سؤال وفيه نظرته ألف حيرة «عمر» بعد انتهائه من القهوة قبل أن يغادر تناول منديلاً وكتب «لم أراها».. والتاريخ 25-12-2007 – كان هذا المختلف بدأت الأفكار تتسلل إلى سعد والأسئلة كحلقات تكبر وتكبر بلا نطاق، هل يعيش عمر قصة انتظار... هل هي مراهقة متأخرة، وينتظر ماذا فتاة لم تأت إلا لتخذله.... وهل سيعرفها عمر بعد ما كهل شوقاً- وغاب في الغربة ليراها.. سعد: سيد عمر من هي التي تجعلك في كل صباح تنتظر من هي؟ وأين هي؟ إنها «فجر الحد الفاصل، الطريق الذي ذهب بي، لي أعود لها «لكي أراها» أتعلم يا سعد بين رحيلي وبقائي رؤية عينيها واليوم 25-12-2007م بلغت 20 ربيعاً تماماً كعمر بقائي هنا في مدينة الفقد «باريس»، اختنق عمر من الحديث وقال هيا بنا لنذهب... كان عمر يمشي بصمت، وإلى جواره سعد مثقلاً بصمته. «المكان» حديقة «بارك دومينو» شمال الشانزلزيه، جلس عمر مقابل ألعاب الأطفال، عينه ترمش بيأس ويجتهد في الابتسام « لملامحه قصة من وجع»، فقد بلا شيء. سعد: ألن تكمل لي ماذا حدث مع فجر؟ عمر: لا استطيع لنذهب ونحكي لاحقاً عاد سعد.. كان يمشي إلى شقته، وكان الوجع يعلو به هل يعقل أنك تحب «يا عمر.. عشرون عاماً كم كلفك هذا العمر، من أجل فجر «يا عمر» (سعد) ولكنها لم تنتظرني ولو «عاماً» رحلت بلا شيء لأجل المال وتركتني بلا قلب، ورحلت لأعود أتذكرها؟ أحببتها لآخر شعور بالوجع، وأهدتني ذاك الوجع «بلا رحمة»، وجد سعد نفسه في مقهى عمر، يرتشف قهوة مرة لها طعم مرارة الظلم، ومن المظلوم ومن الظالم؟ في العشق؟ أتى النادل بادره بالسؤال هل تعرف عمر؟ ومنذ متى يرتاد هذا المكان؟ منذ أن توفيت ابنته «فجر» قبل عشرين عاماً وهو لايصدق أنها ماتت، مازال ينتظرها مع إشراقة كل فجر. ذهب النادل ليسقط سعد في هوة أحزانه.. هو ينتظر «فجر» الحد الفاصل له بين الحقيقة والخيال، ويعلم في داخله «أنها ماتت وأنا يا عمر بلا «أب» بلا وطن بلا «حب» «بلا شيء» سوى وجع و«طموح مبحوح» ذهب سعد إلى شقته وكان كل الطرق شاخصة حوله كغيوم لم تمطر! كعذراء لم تسعد! أغلقت جميع الأبواب مكبلة بحقيقة لم يستطع أنكارها ولم يستطع أرجاع أرواح عشقنها كثيرا أنه الموت «فقط» أنه الفقد «برضي» اللهم لا اعتراض “ يوم جديد: سعد رأى عمر به كل العابرين كل الأمل سعد: صباح الخير سيد عمر عمر: صباح النرجس يا بني سعد: أين فجر يا سيدي عمر: اليوم لم أرها انتهى..