تؤثر توقعاتنا ومزاجنا والصورة، التي انطبعت في أذهاننا عن الألم بشكلٍ بالغ، في مقدار ما سيسببه لنا أي شيء من ألم، وتؤثر كذلك في القرارات التي نتخذها يومياً. لذا يعتقد معظم الناس أن الألم ما هو إلا نتيجة إصابة فيزيائية أو مرض من الأمراض، بيد أن العوامل النفسية تحظى بحصة الأسد في إدراك الألم. يقول هوارد فيلدس: إن التداخل ما بين الرسالة الألمية ومراكز في الدماغ تتوسط الدوافع والتعلم هو المسؤول عن التأثير القوي للحالة العقلية على شدة الألم التي يختبرها الشخص في حالة إصابته. وتظهر آخر التحقيقات السر الكامن وراء كيف ومتى تغير عوامل مثل توقع المكافأة أو العقاب، والخوف، والشدة والمزاج من شدة الألم الذي ندركه وتأثيرها في قراراتنا اليومية، كما يؤثر بعض من هذه العوامل النفسية في خطورة نشوء حالة من الألم المزمن. في التصور التقليدي لإدراك الألم ينشط أحد المنبهات الجسدية العصبونات الحسية المتحسسة للألم في الأجزاء الخارجية من الجسم، ومن ثم تقوم هذه العصبونات بنقل المعلومات على شكل إشارات كهربائية لتنشط في نهاية المطاف أجزاء من الدماغ تمكننا من إدراك الألم، غير أن الأطباء لاحظوا على مدى عقود أن الحالة العقلية للمرء قد تؤثر، وبشكل مثير، في إدراك الألم. من ثم لنا أن نتساءل عن كيف تفعل التأثيرات المعرفية والعاطفية فعلها على مقدار الألم الذي نشعر به؟ لقد كشف الباحثون النقاب - خلال العقود القليلة الماضية - عن دارة في الدماغ والحبل الشوكي تعمل كنوع ضابط لحجم الألم، فتعدل مقدار ما يدركه المرء حسب ما تمليه الظروف. وقد تبيّن للعلماء أن الآثار المعرفية المترتبة على الألم تتم معالجتها من خلال هذا السبيل المعدل. إن الدارة عبارة عن قناة مكرسة لتشكيلة من التأثيرات التوقعية، ولاسيما توقع زوال الألم عند تناول حبة وهمية (دواء وهمي). كما يعد التعاطف من أكثر العوامل النفسية التي تتلاعب بإدراك الألم، وهو (أي التعاطف) إحساس المرء بأنه يتفهم مدى ما يعانيه الشخص الآخر وحتى إنه يشاركه في معاناته. ويمكن أن يفضي البحث في الخلفيات النفسية للألم إلى إيجاد طرق جديدة لمساعدة المرضى على قهر آلامهم أو تجاوزها، سواء كانت يسيرة أم شديدة، وناجمة عن إصابة أو معالجة طبية أو داء ألم بهم. إضافةً إلى ذلك، يعد من الضرورة بمكان أن نستوعب ما للمزاج والتوقع والعوامل النفسية من تأثير قوي على الألم لتقديم يد العون إلى أصدقائنا وأحبائنا، حتى يتسنى لهم التعامل مع آلامهم، عندما تحدث الناس المبتلون بالألم عن أفراد أبلوا بلاءً حسناً خلال مرضهم فغالباً ما تخفف عليهم وطأة الشدة والانزعاج، وفي المقابل، فعندما يعلمون أن أشخاصاً آخرين لديهم أعراض مشابهة لأعراضهم قد واجهوا الأمرين خلال مرضهم فعلى الأرجح أن حالتهم الصحية تتردى. لذا، ينبغي للأطباء ألا يغيب عن بالهم أن العوامل المرتبطة بالمزاج، مثل الاكتئاب والشدة المزمنة، يمكنها أن تحرض الألم لدى المريض، كما أنهم في حاجة إلى استجواب المرضى بعناية حيال توقعاتهم المتعلقة بمعاناتهم، وفي حال أفرط المريض بالتشاؤم فبوسع الطبيب أن يبث الطمأنينة فيه بتزويده بمعلومات أكثر صحة. وأخيراً أقول: يعدُ الفهم الجديد لتأثيرات الحالة العقلية على الألم بإحداث تغييرات جذرية في مقاربتنا الهادفة لعلاج الألم. - عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية