ها نحن نودع أياما قليلة مباركة.. يا أعظم الشهور وأغلاها وأقربها للنفس والقلب والوجدان.. ما أروعك يا شهر القرآن.. وما أحلى لياليك المليئة بالإيمان.. وبقدر حبنا لك فأنت ضيف خفيف على النفس وزائر مستعجل تزورنا في كل عام مرة ولفترة قصيرة.. ما زلنا بالأمس نهنئ أنفسنا ونبارك لها ببلوغنا شهر رمضان.. وها نحن اليوم نستعد لوداعك ونحن نردد: «ترفق بنا يا شهر الرحمة والغفران.. ما أسرع خطاك.. تأتي على عجل وتنثر علينا بركاتك وحسناتك وغفرانك من الله عزَّ وجلَّ». جميعنا اليوم يتساءل (صغيرنا وكبيرنا.. رجالنا ونساؤنا) لا ندري هل ستأتينا في العام القادم ونحن في حال أفضل من هذا العام، أم ستأتي ويكون بعضنا قد فارق الحياة، أو تفرقنا وانفصلنا وتطلق بعض، ولكن هناك من سيكون على أحسن حال، بعض تزوج وبعضهم رزق بأبناء، وبعضهم توظف وأسس له أسرة، والفقير صار غنيا، والمريض شفي من مرضه.. وهكذا سنة الحياة. ما أصعب لحظات فراقك يا أطهر الأشهر وما أقسى وداعك يا أجمل الشهور.. تترك في القلب حرقة وفي الفؤاد غصة.. وجميعنا نتوجه إلى الله عز وجل ونحن في أيامك العشرة الأخيرة نردد ونقول: «رب اجعلنا من المقبولين هذا العام وكل عام، يا من لا يرد من طرق بابه.. اللهم أعد علينا حبيبنا وصديقنا وابن سنواتنا.. رمضان شهر الخير والرحمان أعواما عديدة وأزمنة مديدة. يا رب: يحز في نفسي أن أقف مودعا عزيزا لا يزورني إلا مرة واحدة في السنة، فيغدق علي فضائله السخية ويغمرني وأسرتي وأصدقائي وأبناء وطني وأمتي العربية والإسلامية بلطفه وحنانه، ويخلق لي أجواء الأنس والرحمة حتى ينسيني أنه راحل عني.. وأستفيق فجأة من حقيقة صعبة مذعور القلب.. مهموم النفس.. كئيب الخاطر وأنا أرى الشهر الفضيل يجمع أطراف أيامه استعدادا للرحيل.. فأبكي بدموعي الحارة.. ولكني أشد على بقية أيامه الكريمة أن تعود لنا ونحن في أحسن حال.. ومهما كانت ألسنتنا تنطق بالبلاغة والبيان، لنعبر عن لوعتنا بفراق شهر الله وحرماننا من بركاته وأوقاته الطاهرة الشريفة، لأنه أقام بيننا مقام الحبيب الذي نشتاق إليه دائما. يا رب: لن نقول للشهر الفضيل وداعا، بل إلى لقاءات قادمة بإذن الله في أعوام قادمة.. مع أننا سنلاحق رمضان بقلوب كئيبة تعتصر حزنا.. وعيون دامعة تقطر شوقا.. وسنردد دائما وأبدا: «يا رب اللهم تقبل صيامنا وقيامنا دائما وأبدا». [email protected] الرياض