من أجمل ما قرأت في التصبير والتعزية مقالة للزميل الدكتور حمزة السالم، التي نشرها الجمعة 29 رمضان والتي عزى فيها أسرة القين فقدها ستة من شبابها في حادث سير رحمهم الله، وربط على قلوب أمهاتهم وعوض أهليهم خيراً. ومن تجربتي المريرة في فقد زهرتي الجميلة رغد، وجدت أن حزن الأمهات لا يأخذ مساحة كبرى من اهتمام الدارسين والباحثين فقد بحثت عن لوعة أمهات تضاهي لوعة الخنساء على أخيها صخر أو لوعة ابن الرومي على ابنه الأوسط فما وجدت إلا نزرا يسيرا متفرقا. وأشهر ما وجدت قصيدة لعائشة النميرية ترثي ابنتها عدت من عيون الرثاء منها: لبست ثياب السقم في صغر وقد ذاقت شراب الموت وهو مرير جاء الطبيب ضحى وبشر بالشفا إن الطبيب بطبه مغرور وصف التجرع وهو يزعم أنه بالبرء من كل السقام بشير لما رأت يأس الطبيب وعجزه قالت ودمع المقلتين غزير أُماه قد عز اللقاء وفي غد سترين نعشي كالعروس يسير وسينتهي المسعى إلى اللحد الذي هو منزلي وله الجموع تصير قولي لرب اللحد رفقا بابنتي جاءت عروسا ساقها التقدير الحزن يتهيب من المقاومين له، والرجل بطبيعته يتجبر ويقوي نفسه ويقاوم الحزن ولو استسلم لنفسه مرة فإنه ينتصر على ضعفه مرات، لكن المرأة على النقيض تماماً فلو استطاعت أن تتجبر مرة انهارت مرات. وقد تحدث د. حمزة السالم، في مقالته الآنفة الذكر عن هذا حديثا جميلا: (ومن أسباب دوام الأحزان بكاء الأمهات، ولا عجب؛ ف: «لَكِ اللَهُ مِن مَفجوعَةٍ بِحَبيبِها قَتيلَةِ شَوقٍ غَيرِ مُلحِقِها وَصما» فالأم ستنوح بُنيها أو بنيتها إلى حين طويلة، فتثير مشاعر الألم والحزن عند زوجها عليها وعلى فقيدهما، فتُبكي زوجها وتنكأ عليه الجراح والآلام وتهد من صبره وتجمله. وقد كان الفرزدق غليظ القلب جاف المشاعر، قد هجا أبناءه لعقوقهم له، فلما مات بعضهم، ما كسر فؤاده وهد كبرياءه وألان قلبه وجبروته إلا نواح زوجه «نوار» على أبنائها، فبكاهم بكاء شديداً وكان من قوله: «إذا حنّت نوار تهيجُ مني حرارة مثل ملتهب السعيرِ». [email protected] Twitter @OFatemah