من خلال التاريخ القديم تلازمت دول بلاد الشام وتشابكت مع بعضها، فعندما تهتز مدينة تتحرّك سائر بلاد الشام: سورية، الأردن، لبنان، فلسطين. حتى بعد التقسيم الغربي زمن الاستعمار الأوروبي للبلاد العربية لم ينفك هذا الارتباط الجغرافي والسكاني والسياسي محور تأثيره سورية وتحديداً دمشق فهي الأقوى والأفعل، شاهدنا كيف احتلت فلسطين وما زالت المقاومة مشتعلة وقائمة لحين التحرير بإذن الله وقيام الدولة الفلسطينية، وشاهدنا أيضاً لبنان كيف تحول إلى بلد ممزق ونواح متباعدة سياسياً وأصبح لبنان بلد الدويلات. لكن ما يحدث في سوريا حالياً مختلف عن ظرف فلسطين ولبنان لأن سورية هي عصب بلاد الشام وهذا لا تقرّره التحليلات الإعلامية أو حتى الدراسات الإستراتيجية الحديثة، بل قرّره التاريخ السياسي لبلاد الشام منذ زمن الممالك العربية القديمة في الألف الأول قبل الميلاد وما تلا ذلك من أحداث سياسية تعرف عليها الإنسان العربي في الدراسات والقراءات الحديثة وخصوصاً الفترة الإسلامية، عند قيام الدولة الأموية وانتقال الخلافة من المدينةالمنورة إلى دمشق زمن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وعن سائر الصحابة الكرام الذين رسموا تاريخ الدولة الإسلامية ونشروا الإسلام بإذن الله على مساحات كبيرة من أطالس العالم القديم في الشرق الأوسط الحالي وآسيا الوسطى وجنوب أوروبا وشرق إفريقيا، ثم ما تلا بعد ذلك من الخلافة الإسلامية.. نحن في السعودية ودول الجزيرة العربية والخليج لنا مخاوفنا من ارتدادات الأحداث في سورية إذا خرجت عن نطاقها المحلي، لأن انهيار دمشق بشكل فوضوي سوف يخلف انهيارات في مناطق وعواصم عديدة بالدرجة الأولى دول بلاد الشام: بيروت، عمان، القدس، وهذا سينعكس على حدودنا مع بلاد الشام مع الأردن التي تبلغ فيه الحدود (745) كيلومتراً وهي حدود طويلة من الشمال والشمال الغربي لبلدنا ترتبط بمنافذ حدودية هي: الدرة، وحالة عمار، والحديثة. وترتبط بثلاث مناطق هي: تبوك، والجوف، والحدود الشمالية. الانعكاسات التي تأتي من الشام على أراضينا طول تاريخنا السياسي القديم والحديث ليست كلها إيجابية وإن كانت الجزيرة العربية بكل دولها السعودية والخليج واليمن هي الملاذ الأمن لدول الشام والعراق فعندما تتعرض تلك الدول إلى الهجوم والغزوات كانت صحراء ومدن الجزيرة العربية هي المكان الآمن عبر هجرات ونزوح واحتماء وجيوب أمنة.. فكانت بلادنا في التاريخ القديم تعيش المخاوف من هزات واضطرابات الشام وحتى من حكامها والمتطلعين للسيطرة على الأماكن المقدسة وسواحل البحر الأحمر والخليج العربي للوصول للمنافذ البحرية على بحر العرب والمحيط الهندي.. كانت بلاد الشام دائماً مهددة للكيانات السياسية التي تتشكل في أرضنا وكان الولاة والحكام منذ زمن الدولة الأموية وما تلاها وحتى أواخر الدولة العثمانية والاستعمار الأوروبي تحاول إجهاض الكيانات السياسية وجعلنا أدلاء لأماكن العبادة والمزارات الدينية، ومرشدين لطرق قوافل التجارة، وحديقة خلفية، ومراعي للماشية.. ساهمت تلك الحكومات في دمشق والعراق والقاهرة واسطنبول لفترات تاريخية طويلة في تأخير النمو السياسي والحضاري والسكاني لأرضنا حتى قيام دولتنا الحديثة التي أعادت الاعتبار لإنسان هذه الأرض وحافظت على كيانه وتشكل شخصيته وسط تلك الصراعات.. هذا يدفعنا إلى التنبه وبحذر من التقلبات السريعة التي تحدث الآن في دمشق.