هناك رغبة إنسانية في التخلص من النظام السوري الذي قتل ما يصل إلى 17 ألف شخص -إن لم يكن أكثر- من شعبه. بيد أن التدخل العسكري سوف يشكل مهمة ضخمة ثقيلة، لا تتطلب قوة جوية كبيرة فحسب (نظراً لشبكة الدفاع الجوي الشاملة التي تتمتع بها سوريا)، وأيضاً قوات برية، نظراً لوجود ما لا يقل عن فرقتين قديرتين مواليتين للرئيس بشار الأسد. وهناك بديل للتدخل العسكري المباشر يتمثل في تزويد المعارضة بالأسلحة، وغير ذلك من أشكال الدعم. وهذا ما يجري الآن بالفعل. والحجة الداعمة لمساعدة الناس في الدفاع عن أنفسهم هنا واضحة. ولكن تسليح المعارضة لا يخلو من بعض المآخذ، فالأسلحة المقدمة لمحاربة النظام سوف تستخدم بواسطة الطوائف المختلفة للاقتتال فيما بينها، إذا أزيح النظام الحاكم، وهو ما من شأنه أن يجعل العواقب في سوريا أكثر عنفاً. ليس هناك من الأسباب ما يجعل التدخل عسكرياً بالضرورة أو من خلال تقديم الأسلحة للمعارضة، فهناك الكثير الذي يستطيع العالم -بل ينبغي له- أن يقوم به لتحقيق هدف إزالة نظام الأسد. بادئ ذي بدء، لابد من زيادة العقوبات الاقتصادية. وتتلخص القاعدة الذهبية هنا في جعل سوريا هدفاً لعقوبات لا تقل صرامة عن العقوبات المفروضة على إيران. ومن الأهمية بمكان أن تغطي هذه العقوبات قطاع الطاقة والقطاع المصرفي في سوريا بشكل كامل. ويتعين على النخب التي لا تزال تدعم النظام في سوريا أن تدفع ثمناً إضافياً. وقطع الرحلات الجوية من وإلى سوريا من شأنه أن يزيد من الاستياء بين هؤلاء الذين يقومون بزيارة لندن وباريس وغيرهما من العواصمالغربية بانتظام. وعلى نحو مماثل، تستطيع الدول غير الراضية عن الأوضاع في سوريا أن تبذل المزيد من الجهد لإحداث التغيير. فبوسعها أن تقطع كل العلاقات مع سوريا، ويتعين عليها أن تبدأ بتقليص علاقاتها التجارية والدبلوماسية تدريجياً مع روسيا، الجهة الخارجية الأكثر دعماً للنظام السوري، إلى أن يغير الكرملين سياسته. وبالإضافة إلى هذا، تحتاج المهمة الدبلوماسية التي يقودها الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان تحت إشراف الأممالمتحدة إلى إعادة الصياغة بشكل جوهري. ولقد فات أوان محاولة التوصل إلى حل وسط مع نظام الأسد شريطة موافقته على الإصلاحات الكافية لإرضاء المعارضة منذ فترة طويلة (إن كان ذلك الاحتمال قد أتيح على الإطلاق). والهدف من الجهود الدبلوماسية الآن لابد أن يتلخص في التوصل إلى مخرج للأسد وبطانته، وتأسيس عملية الانتقال إلى نظام سياسي جديد أكثر تمثيلاً لمختلف الأطياف وقائم على سيادة القانون. لقد بدأنا نرى بالفعل بعضاً من أولئك الأقرب إلى الأسد يهجرون ما يرونه عن حق سفينة غارقة. ومن بين الطرق الكفيلة بالتعجيل بهذا الميل التهديد بتوجيه الاتهامات بارتكاب جرائم حرب بحلول تاريخ معين، ولنقل الخامس عشر من أغسطس، لأي مسؤول كبير يظل جزءاً من الحكومة ومتورطاً في حملتها ضد الشعب السوري. سوف تزداد حالات الانشقاق أيضاً إذا أظهرت المعارضة السورية أن البديل الذي تعرضه لنظام الأسد نظام منفتح وشامل. الأقلية العلوية تخشى أن تلقى مصيراً أشبه بمصير الأقلية السُنّية في العراق بعد صدّام. والسبيل الوحيد لطمأنتهم (وتشجيعهم على الانشقاق) يتلخص في وجود معارضة تثبت أنها وطنية حقاً وتحدد المبادئ التي تلقى قبولاً لدى السوريين جميعاً. ويتعين على الحكومات الغربية أن تعمل بشكل وثيق مع المعارضة المنقسمة والقليلة الخبرة نسبيا إذا كان لهذا الشرط الأساسي أن يتحقق. الأمر باختصار أن الأزمة في سوريا تبرر التدخل الخارجي، ولكن في الأغلب بالاستعانة بأدوات أخرى غير الأسلحة. والمطلوب الآن نهج يعجل بزوال نظام الأسد ويزيد من احتمالات ابتعاد من يتولى السلطة في سوريا بعده عن الانغماس في الانتقام والعنف والفوضى. * مدير تخطيط السياسات لدى وزارة الخارجية الأميركية سابقا، رئيس مجلس العلاقات الخارجية حاليا. (كوريا تايمز) الكورية