إن الإسلام لم يغفل حقوق المرأة كأخت، بل أكدها ودعا إلى صيانتها، ومن هذه الحقوق: حسن إعالتها والإنفاق عليها فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من كان له ثلاث بنات، أو ثلاث أخوات، أو ابنتان، أو أختان، فأحسن صحبتهن، واتقى الله فيهن فله الجنة» (رواه الترمذي). وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من عال ثلاث بنات فأدبهن وزوجهن وأحسن إليهن فله الجنة»، وفي رواية قال: «ثلاث أخوات أو ثلاث بنات أو بنتان أو أختان» (رواه أبو داود). وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من أنفق على ابنتين أو أختين أو ذواتي قرابة يحتسب النفقة عليهما حتى يغنيهما الله من فضله عز وجل أو يكفيهما كانتا له ستراً من النار» (رواه أحمد). وقال صلى الله عليه وسلم: «من عال ابنتين أو ثلاث بنات أو أختين أو ثلاث أخوات حتى يمتن أو يموت عنهن كنت أنا وهو كهاتين، وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى» (رواه أحمد). الدفاع عن الأخت وصيانة حقوقها على زوجها كذلك دعا الإسلام إلى الدفاع عن الأخت وصيانة حقوقها، إذا ما أراد زوجها أن يظلمها أو يهينها، فإذا رجعت مطلقة إلى بيت أخيها، فعليه أن يكرمها، ولا يجبرها على الرجوع إلى زوجها إلا راضية راغبة معززة مكرمة، مع نصحها والقيام على شؤونها وقصد الخير لها. روى البخاري عن معقل بن يسار رضي الله عنه أنه قال: زوجت أختاً لي من رجل، فطلقها، حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها، فقلت له: زوجتك وفرشتك وأكرمتك، فطلقتها، ثم جئت تخطبها؟ لا والله، لا تعود إليك أبداً، وكان رجلاً لا بأس به، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه، فأنزل الله هذه الآية: {فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} (البقرة:232) فقلت: الآن أفعل يا رسول الله، قال: فزوجها إياه» (رواه البخاري). فهذا صحابي يحرص على صيانة أخته، وصيانة حقوقها، ويدافع عنها أمام زوجها الذي طلقها. تضحية الأخ من أجل أخته ومن دلائل عناية الإسلام بالأخت أن علَّم إخوانهن من الرجال التضحية من أجلهن، حتى وإن كان هذا على حساب سعادة هذا الأخ ورغباته، هذا جابر بن عبد الله، يموت أبوه شهيداً يوم أُحد، ويترك له تسع بنات أخوات! لا عائل لهن إلا جابر، فماذا فعل هذا الصحابي الجليل بأخواته؟ يقول: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: «ما تزوجت يا جابر.. أبكراً أم ثيباً؟» فقلت له: تزوجت ثيباً، قال: «أفلا تزوجت بكراً تلاعبك وتلاعبها؟» فقلت له: يا رسول الله، توفي والدي - أو استشهد - ولي أخوات صغار، فكرهت أن أتزوج إليهن مثلهن، فلا تؤدبهن ولا تقوم عليهن، فتزوجت ثيباً لتقوم عليهن وتؤدبهن» (رواه مسلم). وعند البخاري أن جابراً رضي الله عنه قال: هلك أبي وترك سبع بنات أو تسع بنات، فتزوجت امرأة ثيباً، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تزوجت يا جابر؟» فقلت: نعم، فقال: «بكراً أم ثيباً؟» قلت: بل ثيباً، قال: «فهلا جارية تلاعبها وتلاعبك، وتضاحكها وتضاحكك؟» قال: فقلت له: إن عبد الله - أي أبوه - هلك وترك بنات، وإني كرهت أن أجيئهن بمثلهن، فتزوجت امرأة تقوم عليهن وتصلحهن فقال: «بارك الله لك»، أو قال: «خيراً» (رواه البخاري). فانظر إلى هذا الفكر الراقي الذي طبّقه جابر، لقد ضحى بحقه في الزواج ببكر، وتزوج ثيباً، من أجل أخواته، تدبر قوله: «فتزوجت امرأة تقوم عليهن وتصلحهن»، إنه لم يكن له هدف من الزواج في المقام الأول إلا القيام على راحة أخواته، ولم يكن همه من الزواج إسعاد نفسه، بقدر تفكيره في إسعاد أخواته، فمن يطبق هذا الفكر السهل الممتنع في زماننا هذا؟ ومن يؤثر أخواته على نفسه في عصرنا هذا؟ حق الأخت في الصلة كم من أخ لا علاقة له بأخته إلا من خلال الهاتف! وكم من أخ يضيق ذرعاً بأخته لمجرد حضورها لزيارته! إن قوماً في زماننا يسيئون معاملة الأخوات إساءة بالغة، ربما أكل أموالها وحقوقها بالباطل، وربما أهانها وقطع الصلة بها، والله تعالى يقول: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} (محمد: 22). حق الأخت في الميراث لقد نص الإسلام كذلك على حق الأخت في الميراث وصيانته وأكدت السنة النبوية على ذلك، يقول الله تعالى: {.... وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوَاْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ وَصِيَّةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ} (النساء: 12)، واتفق الفقهاء على أن المقصود هنا هم الإخوة والأخوات لأم، فما بالك بحق الأخت الشقيقة التي لها شرعاً نصف نصيب أخيها من مال أبيها أو أمها؟ لذا وجب صيانة حق الأخت في الميراث، وعدم المساس به فعن جابر بن عبد الله قال: مرضت فأتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني، فوجدني قد أغمي علي، فأتى ومعه أبو بكر وهما ماشيان، فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فصب علي من وضوئه، فأفقت، فقلت: يا رسول الله، كيف أقضي في مالي؟ أو كيف أصنع في مالي؟ فلم يجبني شيئاً، وكان لي تسع أخوات، حتى أنزلت آية الميراث: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ} (النساء: 176) (صحيح الترمذي). وعن معاذ بن جبل أنه ورّث أختاً وابنة، فجعل لكل واحدة منهما النصف وهو باليمن، ونبي الله صلى الله عليه وسلم يومئذ حيّ (رواه أبو داود)، فإلى الذين يحرمون الأخوات من الميراث ظلماً وزوراً وبهتاناً، نقول لهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة» فقال رجل: وإن كان شيئاً يسيراً يا رسول الله؟ قال: «وإن كان قضيباً من أراك» (رواه النسائي)، ونقول لهم حديث رسول الله?: «أحرج مال الضعيفين: المرأة واليتيم» (رواه ابن حبان)، فالله الله في الأخوات.. والله الله في النساء!