في كل أصقاع العالم يكون السبيل الحقيقي لتكوين مجتمع مترابط ومنظم ومُنتج هي (الديمقراطية) وحرية الاختيار، ومن ينهجون نهجاً مختلفاً عن هذا الأمر سيعيشون صراعات داخلية وخارجية ليس لها أول ولا آخر. النهج (الديموقراطي) غاية ملحّة لضمان استمرار الحياة بالشكل المريح لكل أفراد المجتمع، والذهاب إلى نهج آخر -كالدكتاتورية مثلاً- ستكون نتائجه بعيدة كل البعد عن بناء المجتمعات الصالحة والمنتجة. فعندما يقرر المجتمع اختيار مَن يجدونه صالحاً لتقديم عمل ما وفق خطة وبرامج واضحة فهم يقدمون له القيادة التي تمنحه الصلاحيات الواسعة من أجل السير قدماً نحو تحقيق الأهداف المنوطة به، وهي في المجمل تتمحور حول البناء والتطوير وتقديم عمل يستفيد منه كل أفراد المجتمع. فالحياة بكل ظروفها ومتطلباتها تحتاج إلى فكر انتخابي مبني على ثقافة متينة قد تحتاج إلى وقت طويل حتى تصبح مستحبة يقبلها الجميع. ف(الديموقراطية) كما أراها عنوان مهم وحقيقي لحياة جميلة يسودها النظام؛ لإيماني التام بأنها تدخل في كل جوانب الحياة بمختلف تفرعاتها ومجالاتها. وبما أن الحديث هنا في هذه الصفحة يتمحور حول الرياضة يطيب لي أن أقدم نموذجين قد يخدمان مفهوم الديمقراطية بشكل أدق، النموذج الأول هو ما يحدث في الأندية السعودية، على الرغم من أن الأمر الآن أصبح متأخراً كثيراً؛ لأننا ننتظر الخصخصة، فمع قدومها سينتهي نظام الانتخابات؛ لأن الأندية ستعمل بنظام الشركات في إدارة شؤونها، لكن لا يضير أن يتم التطرق إليه ولو بشكل رمزي، فلو طبقت الأندية نظام الانتخابات بمفهومها الحقيقي، وفُتح المجال للجميع لاختيار الرئيس الذي يجدون فيه القدرة على تقديم ما يليق بأنديتهم وفق برنامج انتخابي واضح للجميع لاختلف الأمر كثيراً في أنديتنا، ولأصبحنا نقدم أندية متطورة تعمل وفق أسلوب علمي مدعوم برغبة من الشخص المنتخب، ولأصبحنا نملك حق المتابعة وتقويم العمل وأسلوبه، والتأكد من كونه قد حقق الأهداف المعلنة ضمن برنامجه المقدم أثناء فترة الترشيح، أم أن ما يحدث بعيد كل البعد عن الطريق السليم المؤدي إلى تحقيق تلك الأهداف، وهذا الأمر تحكمه النتائج على أرض الواقع والأمثلة عليه كثيرة؛ فعلى سبيل المثال: نادي النصر ورئيسه الأمير فيصل بن تركي يعتبر كحيلان -كما كان يُطلق عليه في بداية توليه دفة الأمور في النادي- هو الرئيس الوحيد الذي وجد كل ترحيب وقبول من الجميع، وكانت الآمال كلها معلقة عليه؛ لأنه رئيس له مكانة اجتماعية ومقتدر مالياً، وكان هذا الأمر بالنسبة إلى جماهير النصر هو المهم، لم أجد شخصاً واحداً تطرق لأسئلة هي: هل الأمير فيصل بن تركي يملك خبرة كافية لإدارة ناد بحجم النصر؟ هل الرجل يعرف النهج الإداري الذي يضمن له نقل النصر من حال إلى حال وفق تطلعات جماهيره؟ هذا الأمر لم يُناقش..! الجميع اكتفوا بأن هذا الرئيس صاحب مكانة اجتماعية وثري فقط؛ لتأتي النتائج المخيبة للآمال تباعاً؛ ثلاث سنوات وكحيلان رئيس.. والنتائج لا شيء.. بل سنوات إحباط جديدة. النصر النادي (الثقافي - الاجتماعي - الرياضي) هذا الموسم لم يحقق أي إنجاز على المستوى العام..! إذن الخلاصة والنتيجة المهمة هنا تتلخص في إدارة (فاشلة)؛ لأن المعيار هنا النتائج، والنتائج تدل على فشل إدارة فيصل بن تركي، فلو أن هذا الأمير جاء عن طريق انتخابات حقيقية لأصبح الآن بالإمكان إسقاط إدارته. بعد هذا العرض يتضح من ملخص سنوات الاحتراف السابقة وما قبل الاحتراف أننا لم نكن نعير هذا الأمر أي اهتمام، على الرغم من أهميته، كان المهم عند الجمهور الرياضي هو وجود رئيس مقتدر يستطيع أن يضخ الملايين دون أن نعرف هل الملايين هذه ستصرف بالشكل السليم..؟ وهل سيكون مردودها إيجابياً..؟ أنديتنا أمضت سنوات طويلة تبحث عن الأثرياء وأصحاب النفوذ -وبخاصة الأندية الجماهيرية- وأغفلت ما دون ذلك. أنديتنا - مع الأسف- لا تحظى بدعم المتخصصين، أعني من كلمة المتخصصين هنا أن العمل الرياضي أصبح مختلفاً ويحتاج إلى فهم، فلم يعد هذا المجال مجرد هواية أو عمل من أجل الترويح والشهرة والمصالح الشخصية، بل أصبح عملاً يعتمد على الاستثمار، وينهج منهج المؤسسات من ناحية الخطط والبرامج والأهداف المجدولة ضمن أجندات الفترة الزمنية المقررة. هناك من يدرك حقيقة هذا الأمر ويعيه جيداً، لكنه -وفق ما أرى وأشاهد- لا يستطيع ترجمة الكثير منها على أرض الواقع؛ لأننا لم نؤمن بعدُ بأهمية الرياضة ولم نجب عن السؤال الذي يتردد منذ زمن طويل: هل الرياضة والعمل الرياضي ضرورة أم ترف لا فائدة منه؟ )) أما النموذج الثاني الذي أتمنى أن يطبق بكل شفافية خلال الفترة القادمة فهو فتح باب الانتخابات لتنصيب رئيس جديد لاتحاد الكرة وفق ضوابط واضحة تتيح لكل شخص يجد في نفسه القدرة على تقديم الفائدة المقرونة بالإنجازات لكرة القدم السعودية على صعيد الأندية والمنتخبات والبنية التحتية للمشاريع الرياضية أن يتقدم لهذا المنصب الحساس والمهم، فقد كثر اللغط في الآونة الأخيرة واستفحلت الأحداث وأصبحت أسرار الاتحاد وأعماله في الفترات السابقة معلنة على الملأ دون حسيب أو رقيب، تراشق وصراعات وبيانات، كأنهم يصادقون على تدهور كرة القدم السعودية!! هذه الأيام يعيش اتحاد الكرة أصعب فتراته، وقد دخل منطقة فقد الاتزان، ونحتاج تدخلاً سريعاً ومعالجة فورية عنوانها الرئيسي (التغيير). الكرة اليابانية نموذج مميز للفكر والبناء، ومن يتحدث عن اليابان يجب أن يتعلم من تجاربهم وماذا قدم اليابانيون لكرتهم حتى تغير حالهم في فترة بسيطة، وما هي أهدافهم المستقبلية والخطط التي ستكفل لهم (تطوراً) مختلفاً يجعلهم العنوان الأبرز لكرة القدم في آسيا، ما حدث في اليابان أمر يستطيع أي اتحاد عربي أن يقدمه لأنديته. دمتم بخير. سلطان الزايدي - [email protected] - تويتر: zaidi161@