لم تعد ظاهرة التسول تتصف بالبراءة التي كانت عليها قبل عقدين من الزمان؛ فقد تحولت من مهنة فردية إلى مهنة منظمة يقوم عليها محترفون في عالم الجريمة، و تدر على أصحابها أموالاً طائلة. هناك تداخل قوي بين التسول و الجريمة؛ ففي الغالب تقود خطوات التسول الأولى إلى عالم رحب من الخيارات المحرمة ومنها، الاتجار بالبشر؛ استغلال الأطفال؛ الدعارة؛ بيع المحرمات، تجارة الأعضاء البشرية، وغيرها. فالتسول قد يكون مهنة مباشرة، أو قد يكون غطاء لمهنة أخرى أكثر خطرا. أثبتت الدراسات أن نسبة المتسولين الأجانب في السعودية بلغت ما يقرب من 83 في المائة؛ وهذا يرجح أن موسم الحج عادة ما يكون جسرا لنقل المتسولين إلى الداخل. إلا أن ذلك لا ينفي حقيقة تهريب المتسولين؛ أطفالا، نساء، ورجالا عبر الحدود البرية. تعمد العصابات المنظمة إلى تهريب النساء والشباب عبر الحدود بقصد إيجاد العمل، أو البحث عن الأمن والمعيشة؛ ثم تسيطر عليهم قسرا، وتتعامل معهم كالعبيد فتلزمهم بداية بالتسول، ثم الدعارة، ثم الاتجار بالممنوعات كالمخدرات والمسكرات. وأكثر فداحة من ذلك سرقة الأطفال وتهريبهم عبر الحدود لاستغلالهم في عمليات التسول، والدعارة بالنسبة للفتيات القاصرات، فينشأن على ذلك، ويتسببن في نشر الرذيلة في المجتمع. أصبح للأطفال المعاقين سوقا راوئجية، وأثماناً محددة، ومتاجرون معروفون؛ وتتنوع الصفقات بين الشراء والتأجير من أسرهم مباشرة، أو من سارقيهم ومهربيهم إلى الداخل. أما المتاجرون الأفارقة، فيبدو أنهم نجحوا في زرع خلايا تجميعية، وحاضنات في الداخل يتم تغذيتها من الحجاج والمعتمرين، رجالا، ونساء، وأطفالا، ومن ثم إعادة بيعهم على عصابات التسول المنظمة. استغلال الأطفال يتنوع بين استغلال الأسرة لهم بإرغامهم على التسول، ومن ثم اكتسابهم مهن إضافية قد تكون بموافقة الأسرة، أو دون علمها؛ أو استغلالهم من قبل المتاجرون، وفي هذه الحالة يكون الاستغلال أكثر تنوعا وقسوة؛ وقد يصل في بعض الأحيان إلى تعمد بتر الأطراف لاستدرار الشفقة، أو بيع الأطفال إلى عصابات الأعضاء البشرية. الأطفال قد يتم استغلالهم في ترويج المخدرات، والمسكرات، والوقائع الأمنية تثبت ذلك، بل إن بعض المدن باتت تشتهر بالمتسولين المروجين، وغالبيتهم من الأطفال والنساء؛ وهنا تتعدد الجرائم المرتكبة بحق الأطفال، وتتنوع. استغلال الأطفال والنساء في التسول يقودهم نحو عالم الدعارة، فكم من المتسولات؛ ومن بينهن مراهقات في عمر الزهور؛ يعرضن أنفسهن على المراهقين أو الأجانب في الأسواق، والطرقات، ومحطات الوقود!؛ وبعضهن لا يجدن حرجا من بيع المتعة المحرمة لغير السعوديين في محلاتهم التجارية التي يعملون فيها. قضية التسول، تتجاوز بعدها الإنساني والاجتماعي، إلى البعد الأمني، فتزايد أعداد المخالفين لأنظمة الإقامة والمندمجين في خلايا التسول يتسببون في بناء مجتمعات هامشية، ويتكاثرون بشكل مخيف ما يعني ظهور مجموعات بشرية لا تحمل الهوية، ولا تجد فرصتها في التعليم والعلاج والكسب وهذا يقودهم إلى عالم الجريمة فيزداد عدد العصابات، ويكثر أفرادها، وتتسبب في خلخلة المجتمع من الداخل؛ ولعل هذا ما يفسر تزايد أعداد المجرمين من جنسيات أفريقية محددة. قضية التسول لم تعد قضية هامشية، بل أصبحت من القضايا الأمنية المهمة التي يجب وقف تمددها، و استئصالها؛ والتعامل معها بجدية وإصرار. توحيد جهود القوات الأمنية في مكافحة التسول والتركيز على مكافحة تهريب البشر عبر الحدود، والحد من دخول الأطفال في موسم الحج والعمرة، وتحميل سفارات بلدانهم مسؤوليتهم حتى المغادرة، ومكافحة تخلف الحجيج، ومخالفي نظام الإقامة سيؤدي إلى وقف تغذية عصابات التسول بالأفراد؛ في الوقت الذي تقود فيه مواجهة المتسولين أمنيا ومنعهم من التسول، ومحاكمة مستغلي الأطفال والنساء، بقانون الاتجار بالبشر، وتعميم مراكز مكافحة التسول في جميع المدن، وتفعيل دورها؛ إلى معالجة القضية والحد من تمددها. ويبقى دور المجتمع المهم في مكافحة التسول من خلال عدم إعطاء المتسولين ما يشجعهم على الاستمرار في المهنة، والدور التوعوي المهم الذي يفترض أن يقوم به الإعلام والخطباء ورجال الدين. [email protected]