لقد تابعت وسائل الإعلام في أوروبا والعالم بصفة عامة وفي بريطانيا بصفة خاصة طوال المدة من 26 يناير حتى 15 أبريل المعرض الفريد وغير المسبوق الذي أقيم بالتعاون بين المتحف البريطاني ومكتبة الملك عبد العزيز العامة في لندن تحت عنوان « الحج رحلة إلى قلب الإسلام «. وقد كان لي شرف الزيارة لهذا المتحف والوقوف عن قرب على ما حققه من نتائج وما أحدثه من صدى واسع لدى زواره ولدى الأوساط الإعلامية والثقافية في أوروبا. ويكفي هنا الإشارة إلى أن عدد زوار هذا المعرض تجاوز المائة ألف زائر، ونفدت التذاكر التي خصصها المتحف البريطاني لزيارة المعرض في كثير من الأيام وفى الحقيقة لا يملك المرء المنصف إلا أن يقف تحية وإعجاباً واحتراماً للجهود الذي بذلها رجال مخلصون للمملكة في الإعداد والافتتاح والمتابعة لهذا الحدث السعودي التاريخي الهام. فالعمل في مجمله يعكس التخطيط والتنفيذ الجيد من اللجنة التي أشرفت على هذا العمل بقيادة سفير خادم الحرمين الشريفين في لندن صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نواف بن عبد العزيز، الذي وضع أهدافاً محددةً لهذا المعرض من البداية، وعمل على تحقيقها بكل ما لديه من عزيمة وصبر بالتعاون مع زملائه. وقد تحققت هذه الأهداف كاملة، وفي مقدمتها إعلاء سمعة المملكة لدى شعوب أوروبا، ولدى المهتمين بالتاريخ والثقافة والحضارة العالمية. إن موضوع المعرض اختيار موفق إلى أبعد حد، فإن المملكة هي قلب العالم الإسلامي، وتهفو إليها قلوب جميع المسلمين في العالم وتتعلق بها أفئدتهم ، وترنو إليها أبصارهم، خاصة خلال أداء مناسك الحج، كما أن الحج هو أحد أركان الإسلام والذي لا يتم إلا في مكةالمكرمة. ورحلة الحج لها قصص تاريخية وثقافية وتجارية مؤثرة وقديمة قدم الزمن؛ لأن الحج اجتمع فيه عبادة ومنافع وتعارف، ومن ثم فإن تعريف العالم بالحج بوصفه فريضةً ومناسك تعبديةً ورحلةً وطرقاً قديمةً وقصصاً وآثاراً - هو عمل لا يمكن لأحد أن يقوم به على الوجه الأمثل، ويجذب الجميع إليه سوى المملكة العربية السعودية القلب النابض والقبلة المقدسة للعالم الإسلامي، ولذلك فإني أهنئ المتحف البريطاني وجميع من شارك في هذا المعرض على حسن اختيار موضوع المعرض، وعلى ما بذلوه من جهود لإخراجه بهذا الشكل المشرف والذي استغرق الإعداد له قرابة السنوات الثلاث. إن لنا في المملكة أن نفخر بحق بأننا مشرفون بخدمة الحجاج ضيوف الرحمن. ولمَ لا ومليكنا نفسه -حفظه الله- يفخر بأنه خادم الحرمين الشريفين. واعتاد في كل عام أن يسكن بجوار الحرم في العشر الأواخر من رمضان، وفى أيام الحج ليشرف بنفسه على خدمة زوار بيت الله الحرام. ويحق لنا كذلك نبرز للعالم ما لدينا من تراث مرتبط بالحج من قطع أثرية نادرة بلغ عددها 51 قطعة عرضت في معرض لندن، وعدد هائل من الصور والأفلام والوثائق والمخطوطات التاريخية النادرة. وهذه كلها مواد متحفية يمكن للعالم أن يتعلم منها الكثير، ويدرك عراقة وعظمة تاريخ المملكة مع رحلة وفريضة الحج العظيم. إن ما حققته المملكة من إنجازات في مجال تسهيل فريضة الحج وراحة الحجاج تستحق وقفة تأمل وتستحق منا أن نفخر بها ويعلم بها العالم أجمع، فأعداد الحجاج لم تكن تتجاوز عدة آلاف يأتون للحج كل عام سالكين الطرق سيراً على الأقدام فوق ظهور الدواب وعلى ثبج البحر. والآن تشير الأرقام الرسمية إلى ارتفاع عدد التأشيرات الممنوحة عام 2011 م لكل من الحج والعمرة؛ فقد كان موسم العمرة لهذا العام هو الأعلى في تاريخ المملكة من حيث عدد المعتمرين، والذي بلغ حوالي 5 ملايين معتمر، كما ارتفع عدد الحجاج ليصل إلى أكثر من 3 ملايين حاج. فالبلاد التي لديها القدرة على استضافة هذه الملايين من الحجاج والمعتمرين يتحركون معاً في وقت واحد وفى مكان محدد- لابد أن لديها خبرة عالمية نادرة في إدارة هذه الحشود، وتوفير ما يحتاجون إليه من طعام وشراب وسكن وعلاج ومواصلات واتصالات وخدمات..، وهذا كله لا يتحقق إلا بجهود أبناء هذا البلد وإخلاص قيادتها التي أولت الحرمين وخدمة ضيوف الرحمن العناية الفائقة، فأقامت من المشاريع ما يحقق هذه السهولة والراحة للحجاج. وهى مشاريع عملاقة وفى مقدمتها توسعة الملك عبد الله للحرم الشريف، وهى التوسعة العظمى في التاريخ، وقطار المشاعر، وقطار الحرمين الذي سيربط بين مكة والمدينة وجدة، وسقيا زمزم، وغيرها كثير. إن ما شاهدناه في معرض الحج في لندن يؤكد على عدة حقائق أولها أن الحج رحلة جسدية وروحانية للمسلمين. ومن واجبنا أن نشرحها للعالم من خلال ما لدينا من مواد متحفية وتراثية ووثائقية نادرة، وثانيها أن تاريخ الحج يعكس جهود المملكة وقيادتها عبر هذا التاريخ في خدمة الحجاج وتسهيل أدائهم للفريضة، وثالثها أن معرض لندن يعكس جهوداً مميزةً ومخلصةً لأبناء مخلصين لهذا الوطن، وفي مقدمتها جهود فوق العادة لسفير فوق العادة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نواف بن عبد العزيز، الذي ضرب مثلاً يجب أن يحتذى به من الجميع في كيفية الارتقاء بسمعة المملكة في العالم وبين جميع الشعوب. إن ما حققه معرض الحج في لندن من نجاح منقطع النظير يجعلنا نتطلع إلى تكرار هذه التجربة في دول أخرى في أوروبا وفي أمريكا وآسيا والصين..، لنرتقي بسمعة المملكة بين شعوب العالم، وليعلم غير المسلمين قبل المسلمين ما تقدمه المملكة من جهود عبر التاريخ لخدمة الإسلام والمسلمين ولخدمة شعوب الأرض جميعاً. إن سفراء المملكة في الخارج مدعوون لاستنساخ تجربة سفير خادم الحرمين الشريفين في لندن، صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نواف بن عبد العزيز؛ لأنها تجربة ناجحة لسفير مخلص لمملكة الإنسانية ولقيادتها الرشيدة. رئيس اللجنة الوطنية للتعليم العالمي والدولي