أكد أكاديمي شرعي متخصص أن الدعاة إلى الله تعالى في حاجة ماسة إلى عون الله وتوفيقه كي تتحقق لهم النتائج المرجوة وهي هداية الناس وبلوغ هذا الدين مشارق الأرض ومغاربها، وإن مهمة الدعاة هي مهمة أنبياء الله ورسله -عليهم السلام-، فلما كانت مهمة الدعاة إلى الله هي نفس مهمة الأنبياء والرسل -عليهم السلام- كان لابد لهم من الاجتهاد في طلب ما يعينهم على أداء الواجب المناط بأعناقهم، وقد فعل ذلك قبلهم من هم خير منهم وأقرب إلى البارئ -جل وعلا-. وأبان الأستاذ الدكتور محمد بن إبراهيم الرومي -أستاذ الدراسات الإسلامية في كلية المعلمين بالرياض- في حديث ل»الجزيرة» أنه لتحقيق هذا العون يجب على الداعية الاستغفار لأنه وسيلة من الوسائل وطريقة من الطرق التي بها يتوفر عون الله له، ويحالفه التوفيق في أعماله، فيحتاج إلى التوفيق من الله ليهتدي هو بنفسه لما يرضي الله -جل وعلا- في القول والعمل، كما يحتاج إلى الإعانة من الله تعالى لكي تحصل لمدعويه هداية التوفيق التي لا يملكها أحد كائناً من كان إلا الله -جل شأنه-، لأن المرء المسلم في أثناء استغفار ربه يعترف بذنوبه ويظهر عجزه وتقصيره، ويعلن لربه -جل وعلا- بأنه لا يملك تدبير شيء من دينه ودنياه، فكل هذا التذلل والانكسار والخضوع يجلب عون الله لعبده، لأنه حقيقة التعبد لله -جل وعلا-. وشدد د. الرومي على أن الدعاة هم الذين يعلمون الناس منهج النبي صلى الله عليه وسلم في حياته ليقتدوا به صلى الله عليه وسلم في عباداتهم ومعاملاتهم، وقد أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم الإكثار من الاستغفار في المجالس، فحري بالداعية الكريم أن يكون أول من يحتذي بهذا، الرسول ويعوّد نفسه منهجه القويم لكي يتمكن من تعليم غيره، ويكون قدوة حسنة للمدعوين فحاجته إلى الاستغفار إذن حاجة ماسة. ملازمة الاستغفار وقال فضيلته: إن الداعية أحوج الناس إلى معرفة الله -جل وعلا- والمعرفة لن تتأتى إلا بالعلم والإيمان، وقد تقرر لدى العلماء العارفين بأن المعاصي من ضررها وقبحها أنها تحرم المرء من العلم، إذ إن العلم نور، فتحجبه عن معرفة الله -تعالى-، ويفوت عليه سعادة الدنيا والآخرة، فيجدر بالداعية إذن أن يلازم الاستغفار ليغفر الله له ذنوبه حتى يعرف ربه حق المعرفة بالعلم النافع والإيمان القوي. وأضاف: إن الاستغفار يعلّم الداعية الصبر مع المدعوين والرحمة بهم والشفقة عليهم، فإنه إذا لزم الاستغفار موقناً بأن الله يغفر له ذنوبه ويتوب عليه ويدرك أثناء ذلك رحمة الله وشفقته على المذنبين، إذا أساؤوا إليه بإتيان ما نهاهم عنه أو ترك ما أمرهم به أو تجاوز حدوده ومع ذلك كله فتح لهم مجال الاستغفار والتوبة لكي يعفو عنهم ويوفقهم لفعل الخير، فالداعية تمس حاجته إلى الاستغفار ليتعلم هذه الدروس ويعتبر بهذه العبر، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} (10) سورة البروج.. مشيراً إلى أن أقصى غاية يسعى إليها العبد في هذه الحياة هي دخول الجنة ونجاته من النار، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (حولها ندندن) وسؤال الله مغفرة الذنوب ليغفر له سبيل الوصول على تلك الغاية المذكورة، فالداعية إلى دين الله من أرغب الناس في دخول جنة ربه وأحرصهم على غيره للفوز بها، فهو إذن محتاج إلى الاستغفار. وتحدث الدكتور محمد الرومي عن أثر الاستغفار على الدعاة إلى الله تعالى وثمراته وقال: إن التزام الدعاة إلى الله تعالى بالاستغفار له العديد من الآثار الطيبة والثمرات النافعة، ومن أبرز ذلك الالتزام بمنهج الأنبياء والصالحين، إذ أن الأنبياء كانوا أشد الناس اجتهاداً في العبادة لما أعطاهم الله تعالى من المعرفة إذا كلما كان العبد أعرف بربه كان أتقى له وأكثر تعبداً، فهم عليهم السلام دائبون في شكره معترفين له بالتقصير، فهم في كل حال من أحوالهم يلزمون الاستغفار ويداومون عليه مع أنهم معصومون من الذنوب كبيره وصغيره.. كل ذلك مبالغة منهم عليهم السلام في شكر ربهم على نعمه واعترافاً منهم بالعجز والقصور عن كنه الواجب من حقه تعالى. وأضاف فضيلته أن من أثر الاستغفار على الدعاة، تحقيق القدوة الحسنة للمدعوين، فمع حرص الداعية على الاستغفار يعطي دروساً عملية للمدعوين في أهمية ملازمة الاستغفار، والحرص عليه، ولا يخفى أبداً أثر القدوة فهي الصورة الحية للفكرة، والتطبيق العلمي للدعوة، والتوضيح الجلي للحجة، ولا شك أنها من أعظم أسباب بذر المحبة في القلوب، ووجود القناعة في العقول، وكثير من المدعوين ينتفعون بالسيرة الحسنة، ولا سيما العامة وأرباب العلوم القاصرة فإنهم ينتفعون من السيرة والأخلاق الفاضلة والأعمال الصالحة فلا ينتفعون من الأقوال التي قد لا يفهمونها، كذلك من أثر الاستغفار تعميق الصلة بالله تعالى، فملازمة الاستغفار تقوي صلته بالله تعالى وهذا من أهم ما يلزم الداعية فهي الدعامة الأولى في حياة الدعاة إلى الله تعالى، مشيراً إلى أن سلوك الداعية الناصح هو الصورة الحية لما يدعو إليه، وإنه يكسب لدعوته بسلوكه أكثر مما يكسبه بمواعظه وكلامه، فينبغي أن يكون ناصحاً بحاله قبل أن يكون ناصحاً بمقاله، وإلا كان عقبة كؤود في الطريق الدعوة. الإخلاص في الدعوة وأوضح الأستاذ بكلية المعلمين بالرياض أن ملازمة الاستغفار دليل الإخلاص، لأن الداعية المخلص هو الذي يجرد وجهته في عمله ودعوته من أيّ مطمع دنيوي، يؤثر رضا الله تبارك وتعالى على من سواه، وتحقيق الداعية لهذا الخلق في دعوته يرقى به على أرقى المراتب، وأسمى الدرجات، والإخلاص هو الحماية القوية للإنسان من الوقوع في حبائل الشيطان، وإذا كان الإخلاص مطلباً من جميع المؤمنين، وشرطاً من شروط قبول الله للعمل فإن الدعاة على الله أحوج الناس إلى هذا الخلق من غيرهم لكونهم اختصوا بحمل أمانة العلم، وشرفوا بالانتساب إلى القرآن. وأكد الدكتور الرومي أن الداعية الذي يتحلى بالإخلاص في دعوته يؤثر في نفوس المدعوين بموعظته ونصحه، وقوله وفعله، لأن من أهم صفات الداعية الإخلاص لله في العمل، فلا يطلب على الإرشاد أجراً، ولا يقصد به جزاء ولا شكوراً من أحد، ولا تحصل جاه أو شهرة أو سمعة فإن كان عمله لشيء من هذه الأغراض فلا أثر لقوله في قلوب الناس ألبتة، بل يعمل لوجه الله تعالى وطلباً لمرضاته، وحسن مثوبته، ولا يرى لنفسه منة على من يرشدهم فيجب علينا أن نؤدي الواجب حبا في الواجب، وإطاعة لخالقنا، وتلبية لضمائرنا، وإرضاء لوجداننا، لا إذعانا لسلطان المادة، ولا جرياً وراء شهوة نحصل عليها أو مغنم نصيبه، فالداعي حتى يكون وارثاً نبوياً وعالماً وربانياً يجب أن يتحلى بالإخلاص في الدعوة إلى الله، وأن يعلم أنه لا يجمع الإخلاص في القلب، محبة المدح والثناء والطمع فيما عند الناس، إلا كما يجتمع الماء والنار.. والداعية الذي يمرن نفسه على الإخلاص، ويربيها على الترفع عن الغايات الذاتية، والمنافع الشخصية يصير الإخلاص ديدنه في أعماله كلها، وتصرفاته جميعها، قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (162- 163) سورة الأنعام. وبيّن فضيلته أن الداعية الناجح في دعوته هو الذي يحرص أن تكون أعماله خالصة لله عز وجل لا يشوبها رياء ولا سمعة ولا منفعة ولا مصلحة ذاتية، لأن أيّ عمل لا يتصف بالصلاح والقبول حتى يكون على الشريعة، ويكون خالصاً لله، وبناء على هذا فيجب على الدعاة أن يقصدوا من دعوتهم وجه الله وأن تكون جميع تصرفاتهم وأعمالهم وسلوكهم الاجتماعي على وفق شريعة الله، وأن يحاسبوا أنفسهم بشكل دائم، وأن يتساءلوا ماذا يريدون من تبليغ الدعوة؟ وماذا يقصدون من دعوة الناس؟ وأن ينظروا إلى أفعالهم هل هي مطابقة لأقولهم ولسان حالهم؟.. فالدعاة إلى الله إذا أدركوا هذه الحقائق ساروا صادقين في درب الإخلاص، ومضوا مخلصين في طريق الدعوة، وحقق الله سبحانه على أيديهم إصلاح البشر، وهداية الشعوب، بل الناس يتأثرون بهم ويستجيبون لدعوتهم. عدة الدعاة وخلص الدكتور الرومي إلى أن الاستغفار هو سياج الأنبياء والمرسلين «عليهم السلام»، وهو عدة الدعاة إلى الله إلى يوم الدين، وأنه ما تمسك به قوم إلا سعدوا، وما تخلى عنه قوم إلا حلت بهم المصائب والنكبات، وأنه لم ينفرد به نبي دون آخر، بل الكل كان على درجة عالية من تحقيقه، وله قسط وافر منه، لأنه عبارة عن صلاح القلوب، وزينة النفوس، وزكاة للأعمال، وحري بالدعاة إلى الله أن يتحلوا به، وأن يكون لهم قسط يومي وافر منه كما كان يفعله نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، لأن ذلك مما يصفي نفس الداعية ويجردها من أدرانها، ويكسبها مرحلة متقدمة في نجاح دعوته.. كما أن على الدعاة إلى الله أن يزرعوا في نفوس مدعويهم أهمية استغفارهم الدائم لله سبحانه، لأن الله هو الذي خلقنا ورزقنا ووهبنا جميع النعم، وهو الذي أمرنا أن نطيعه فلا نعصيه، وأن العبد مهما بلغ من حرصه واجتهاده، فإنه خطاء مقصر ملول، وقد جعل الله سبحانه الاستغفار محطة يتزود المؤمن فيها مسح ذنوبه، وتجديد توبته وعهده مع ربه، ومن ثم ينطلق في حياته ليحقق الهدف من وجوده وخلقه، ويعيش يومه في طاعة الله ورضوانه. وانتهى قائلاً: حري بالدعاة أن يحذروا مدعويهم من التخاذل وتناسي الاستغفار خشية أن يغشى الران على قلوبهم، لأنه إذا أصيب قلب العبد بالران فإنه لا منجى له إلا الله، والعبد المؤمن هو الأواب الذي يصر على معصية ولا يدوم عليها، بل يتمنى أن تكون حياته وسائر أعماله وفق ما يرضي الله تعالى، وعلى هدي رسوله صلى الله عليه وسلم.