عندما نتحدث عن سوق المال السعودي، فإن الجميع يعرفون أن الحديث عن سوق الأسهم.. قد لا ينتبه البعض إلى أن سوق المال تعني سوق الأسهم وأيضاً سوق السندات والصكوك, كذلك فإنه يعني سوق الصناديق الاستثمارية وصناديق المؤشرات.. إلا أن للجميع عذرهم في هذا الخطأ غير المقصود نظراً لأن نشأة سوق الأسهم سبقت نشأة الهيئة المسئولة عن تنظيم سوق المال، كما أننا معذورون أيضاً لأن أعداد المهتمين بسوق الأسهم تصل إلى 4.1 مليون مستثمر، في حين أن عدد المهتمين بسوق الصكوك أقل كثيراً.. إذاً فما أسباب النجاح الكبير في جذب المستثمرين للاستثمار في سوق الأسهم؟.. وفي نفس الوقت الإهمال أو محدودية طلب الأفراد على سوق الصكوك أو صناديق المؤشرات؟.. هل الأسباب تعود لتفضيلات المستثمرين أنفسهم.. أم لطبيعة المنتجات المطروحة بسوق المال؟.. أيضاً لماذا تعثرت أدوات سوق المال الجديدة، وعلى رأسها صناديق المؤشرات؟ توزيع الأصول بسوق المال استمراراً للثقافة والانطباعات عن سوق الأسهم بأنه هو الكيان القادر على تحقيق الربح السريع للمتداولين، وأيضاً أنه السوق المضاربي النشط الذي يُمكّن المستثمرين من إخراج مصاريفهم اليومية أو الشهرية بشكل سهل وسريع، استمرت سيطرة سوق الأسهم على سوق المال المحلي.. حيث إن حجم القيمة السوقية للأسهم المصدرة وصلت في نهاية العام الماضي إلى 1271 مليار ريال، في مقابل 82 ملياراً قيمة أصول صناديق الاستثمار، وحوالي 41 ملياراً قيمة إصدارات سوق السندات، وفقط 117 مليون ريال قيمة صناديق المؤشرات.. أي أن الأسهم تشارك بنسبة 91% في إجمالي سوق المال، مقابل نسبة 0.01% لصناديق المؤشرات.. وهذا التوزيع لأصول الكيانات الرئيسة لسوق المال يحتاج للنظر والمراجعة من قبل هيئة السوق المالية للنظر في أسباب التعثر التي تعوق انطلاقة أسواق السندات أو صناديق المؤشرات. صناديق الاستثمار.. وجهٌ آخر للأسهم إن نجاح صناديق الاستثمار كجزء من سوق المال لا يُعتبر خروجاً عن مألوف الأسهم، لأننا لو تعمقنا في كينونة هذه الصناديق سنجد أنها وجهٌ آخر للأسهم أو للاستثمار في سوق الأسهم.. فقيمة أصول صناديق الاستثمار بلغت 82.1 مليار ريال، إلا أن 26.6 مليار ريال منها تعود لصناديق تستثمر في سوق الأسهم، أي بما يعادل الثلث تقريباً.. إلا أنه مع ذلك ينبغي الإشادة بنجاح صناديق أسواق النقد (بلغت أصولها 49.5 مليار ريال) في اجتذاب نسبة هامة من المستثمرين.. وعليه، فإن أداء صناديق الاستثمار يُعتبر مناسباً ومقبولاً. تضاؤل سوق الصكوك نسبياً تراجُّع سوق الصكوك لا يرجع فقط إلى تدني حجم الإقبال أو التداول عليها فقط، ولكن أيضاً حجم الطرح أو الإصدار فيها لا يزال دون المستوى المتوقع، وهو ما يثير التساؤل: لماذا ضعف الإقبال على سوق الصكوك طرحاً وتداولاً حتى بعد إطلاق آلية التداول المباشر لها في 2010م؟.. إن إصدارات سوق الصكوك لم تحقق التطلعات منها على مدى الفترة (2008-2011م)، فقد بلغ حجم الإصدارات بها نحو 5 مليارات في 2008م، ثم ارتفع إلى 7.7 مليار في 2009م، ثم إلى 7 مليارات في 2010م، وأخيراً تراجع إلى 5.6 مليار في 2011م .. مقارنة بأطروحات جديدة بلغت 23.4 مليار في سوق الأسهم في عام 2010م، ونحو 16.3 مليار في عام 2011م.. فهل الجانب الشرعي أم ضعف التداول في حد ذاته.. أم أن هناك قيوداً على الطرح أو التداول تحتاج لمراجعة؟.. فأسواق الصكوك نشطة في كثير من الدول الأخرى، ولها فوائد ومنافع كبيرة في تحريك عجلة التنمية في جوانب مشاريع البنية التحتية تحديداً التي تتطلب تمويلات لفترات زمنية طويلة. 4.1 مليون مستثمر بالأسهم مقابل 399 مشتركاً بصناديق المؤشرات إذا شئنا بأن نحدد المخرج غير المستقر بسوق المال المحلي، فسيكون صناديق المؤشرات، وحتى الآن فالنسبة الأكبر من المتعاملين بسوق المال لا يفهمون معناها (رغم شرح هيئة السوق لماهيتها كثيراً).. وأكبر دليل على عدم استيعاب ماهية هذه الصناديق هو تدني أعداد الصناديق المطروحة بالسوق والتي لم تزد عن ثلاثة صناديق، فضلاً عن تدني أعداد المشتركين فيها والذين لم يزد عددهم عن 399 مشتركاً. اتفاقيات المبادلة نجاح مع المؤسسات المالية وفشل مع الأفراد من المنتجات التي نجحت فيها هيئة السوق جزئياً ولا ينتبه لها كثيراً البعض، هي اتفاقيات المبادلة، فرغم أنها استثمارات مقيدة (بعض الشيء) للأجانب بسوق الأسهم، إلا أنها مقارنة بصناديق المؤشرات أو حتى سوق الصكوك فقد حققت نجاحاً، وبلغت قيمة اتفاقيات المبادلة في عام 2011م حوالي 29.3 مليار ريال.. وهي قيمة تقترب نسبياً من حجم إصدارات سوق الصكوك (41 مليار ريال).. إلا إن الشيء الملفت للنظر أن نسبة 99.9% من هذه الاتفاقيات جاءت لمؤسسات مالية خلال عامي 2010م و2011م، مقابل نسبة طفيفة لم تتعد 0.1% لأفراد أجانب.. وهو ما يعني أن السماح بالتداول المباشر للأجانب يمكن أن يزيد الطلب على السوق بشكل كبير، نظراً لأنه سيسهل طلب الأفراد الأجانب. إن مكونات سوق المال بالشكل الحالي قد ترتبط بأمور تتجاوز مجرد اختيارات أو تفضيلات الأفراد المستثمرين أنفسهم، فحصص الحكومة وتركزها في سوق الأسهم، فضلاً عن تفضيل كبار المستثمرين - المؤسسين لسوق الأسهم، أيضاً فإن إتاحة فرض علاوات الإصدار بسوق الأسهم تُعتبر عنصراً مغرياً للمؤسسين.. أما العنصر الأهم في اعتقادي هو عدم الفهم الكامل أو انتشار الوعي الاستثماري بماهية وطرق الاستثمار بأدوات الديْن أو صناديق المؤشرات يُعتبر من أهم عناصر ضعف أطروحاتها وتداولاتها حتى الآن.