كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن الارتفاع الكبير في أسعار التأمين ونعني هنا تأمين المركبات وتحديدًا التأمين «ضد الغير»، وتعالت أصوات تطالب بمقاطعة شركة أو شركات معينة رفعت فعليًا أسعارها. ومن خلال نظرة سريعة على هذا الموضوع، فإن الارتفاع في أسعار بوليصة التأمين قد ارتفع فعلاً في بعض الشركات خلال الفترة القليلة الماضية بناءً على موافقة مؤسسة النقد العربي السعودي على هذا الارتفاع، أي أن الارتفاع تم بالتنسيق الكامل مع الجهة التشريعية لقطاع التأمين في المملكة. وجاءت موافقة المؤسسة بناءً على التغيَّرات التي طرأت على أنظمة التأمين ضد الغير تحديدًا وهي ارتفاع قيمة الدية من 100 إلى 300 ألف ريال للقتل الخطأ و400 ألف للقتل العمد، كذلك شمول بوليصة التأمين على حوادث المخالفين لأنظمة المرور بأنواعها المختلفة. وبالنظر إلى القضية من منظور استثماري فإن هناك مبررًا لارتفاع بوليصة التأمين بالنظر إلى تلك التَّغيرات، خصوصًا إذا علمنا -وفق إحصائيات عام 2011م- أن هناك (544.179) ألف حادث بمعدل (1.537) حادث يومي، مشيرًا إلى أن عدد المصابين في نفس العام بلغ أكثر من (39.000) مصاب و(7.153) ألف حالة وفاة، أي أننا نتحدث عن معدل أكثر من ملياري ريال تعويضات الوفيات فقط (على فرض أنها خطأ) بزيادة قدرها 60 بالمائة عمّا كان متبعًا قبل الزيادة. وأنا هنا لا أبرر للشركات ارتفاع البوليصة، خصوصًا في ظل موافقة رسمية، ولكن ما لفت انتباهي غياب الجانب الرسمي عن التشديد أن يكون التطبيق للجميع وليس لشركات معينة، والسبب اقتصادي - اجتماعي إستراتيجي، فإن هناك العديد من الشركات التي لازالت تبيع البوليصة بالأسعار القديمة، مما يعني إقبالاً أكبر من المستهلكين والحصول على حصة سوقية أكبر، ولكن ماذا سيحدث لاحقًا؟ ستعجز تلك الشركات عن الوفاء بالتزامات التأمين للعملاء خصوصًا في ظل ارتفاع التكاليف، لنجد أنفسنا أمام كارثة تأمينية كبيرة على مستوى الشركات وعلى مستوى المستفيد النهائي المواطن. بلا شك أن الاستمرار بهذا المنوال سيهدد وجود شركات التأمين، وستجد نفسها عاجزة عن الوفاء بمستحقات المواطنين ولا استغرب أن تشهر إفلاسها، ويبدأ المواطن في رحلة المراجعات لمؤسسة النقد والمحاكم. نقطة نظام..