في الغالب، يكون التكامل الاقتصادي بين الدول سببًا في تحقيق الاتحاد الكلي بينها؛ إلا أن الظروف الاستثنائية قد تقلب هرم التكامل، فتصبح مرحلة الاتحاد السياسي والأمني قاعدته، والتكامل الاقتصادي قمته. خلال أكثر من ثلاثة عقود سعت دول الخليج إلى تحقيق التكامل الاقتصادي وإزالة التحدِّيات والمعوقات التي تحول دون الوصول إلى الاندماج الكلي بينها؛ إلا أنها لم تستطع، على الرغم من نجاحاتها المشهودة. الظروف المحيطة لم تُعدُّ كما كانت عليه من قبل؛ فدول الخليج تواجه بتهديدات مباشرة من إيران؛ وتهديدات من بعض الدول الكبرى التي تسعى إلى تقويض أمن واستقرار المنطقة لتحقيق أهدافها الإستراتيجية؛ إضافة إلى ما تعانيه من أخطار داخلية وأخطار على علاقة بتوجهات بعض المحسوبين عليها، ما قد يتسبب في زعزعة أمنها من الداخل وتدمير اقتصادياتها وإعطاء الدول الكبرى عذرًا للسيطرة عليها، وعلى ثرواتها، وتفتيتها كما حدث للعراق. ما يُحاك في الخفاء أكبر من أن يعيه البعض؛ فالخطر الظاهر والمحيط ببعض دول الخليج قد يكون موجهًا في الأساس إلى دولة أخرى تعتقد أنها في مأمنٍ منه. فالأخطار العدائية العالمية خليط بين الأطماع الاستراتيجية، والسلطوية، والمالية، والنفطية؛ وكما يتقاسم أفراد العصابة غنائمهم بحسب الاتفاق، تتقاسم عصابات الدول غنيمتها وفق شروط مسبقة. ففي العراق قسمت الغنائم بين الدول؛ إلا أن التقسيم الرئيس كان بين إيران والولايات المتحدةالأمريكية، حيث سمحت أمريكا لإيران بالسيطرة على العراق مقابل سيطرة شركاتها الأمريكية على النفط، ومصارفها على أرصدة العراق، إضافة إلى بعض المكاسب الإستراتيجية في المنطقة، التي لا يمكن تحقيقها إلا بسقوط العراق وزعزعة أمنه وأمن المنطقة. الصفقة نفسها عُقدت في ليبيا مع الثوار، وفي مصر مع (إخوان إيران) وأحسب أن ذلك التغيير المدمر لم يُقصد به (موقع التغيير الجغرافي) بل مواقع أكثر بعدًا وعمقًا في العالم العربي والإسلامي، إلا أن نظرة بعض الساسة العرب أقصر من أن تعي مراحل التغيير المستهدفة، وأضعف من أن تستوعب الكم الهائل من الأحداث المتتالية والمتداخلة. الاستهداف الظاهر للبحرين، والعداء المُمنهج مع السعودية قد لا يكون الهدف الرئيس لإيران وشياطين الغرب، وقد تكون هناك أهداف إستراتيجية أخرى لم يطلع عليها الساسة بعد. فمن كان يَعتقد أن عملية تحرير الكويت، كانت خطوة لاحتلال العراق وتقديمه لقمة سائغة لإيران بعد إضعافه، وسلب مقدراته، واحتياطياته النفطية. عملية معقدة خسر بسببها الخليج قوته واحتياطياته، وما زال يسدد فواتيرها الإستراتيجية حتَّى اليوم. لن أتنبأ!؛ ولكن، قد تقوم إيران، وباتفاق مع بعض الدول الكبرى باحتلال أي من المواقع الخليجية المهمة، كما حدث للكويت من قبل!، وهذا أمر وارد، وإن كنت أجزم بأن أمرًا كهذا لن يحدث للبحرين البتة التي خُطِطَ للاستيلاء عليها من الداخل، وفق اللعبة البرلمانية، والثورة الصفوية التي دحرها الله في مهدها، فأنجى البحرين والخليج من تبعاتها المدمرة. الجزر الإماراتية المحتلة قد تُلحَق بها جُزر أو إمارة أو نحو ذلك أن لم يتنبه قادة الخليج للخطر الصفوي الغربي المزدوج. مقدرات دول الخليج الاقتصادية والتنموية قد تتهاوى في لحظات إذا ما تعرضت لخطر عسكري مفاجئ، وقد تتبخر احتياطياتها المالية المتضخمة في محاولتها ردع العدوان أو إخراج العدو من أي من أراضيها (المحتلة) لا قدر الله. الاستعداد للعدو وإرهابه، أسهل من محاولة إخراجه مستقبلاً، والاتحاد على الخير، قوة لمواجهة الشر الداخلي والخارجي على حد سواء. الأمن هو القاعدة الصلبة التي يُبنى عليها الاقتصاد، وتؤسس فوقها رفاهية الشعوب، وهو مُقدمٌ على ما سواه، ومن هنا أجزم بأن المرحلة الحرجة التي نعيشها اليوم تفرض على دول الخليج التعجيل في إنهاء الاتحاد الخليجي قبل التفكير، أو الانشغال بإنجاز التكامل الاقتصادي الذي قد تتداعى أركانه أمام التهديدات العسكرية والأخطار السياسية الجائرة. تردد بعض دول الخليج في إنجاز الاتحاد يصب في مصلحة أعداء المنطقة، ويضُر بمصلحة الشعب الخليجي الأكثر حرصًا على إعلان الاتحاد، وتحقيق الأمن الشامل، وحماية الاقتصاد من الانهيار، واحتياطيات الخليج المالية والنفطية من التبخر.