من ظواهر المرحلة الراهنة، هذا الاندلاق الشديد من عامة الناس، نحو الكتابة في كل شيء، وأي شيء، دون اعتبار لجوانب المعرفة، أو الاختصاص..، أو حتى الاطلاع..، ودون تحر لمصادر ذات ثقة، أو إلمام بمظان ما يكتب فيه، أو يقول، إلا لمما..، أو قطفة.. هناك حشد نفسي ضد أو مع، وعن، وما الذي., وكأن كل الذين يسجلون حسابات لهم في مواقع التواصل، أو تحجز لهم المنابر، وبرامج الفضائيات، ويزجون في مواقف الإدلاء بالرأي، ومناقشة قضايا المرحلة بما فيها الدين، والأدب، والسياسة، هم ذو خبرة، واختصاص، ومعرفة تليق بما يكتبون، وعما يقولون..! تحولت بقدرة فائقة كل الساحات، والمساحات للأميين..، وبات الانبهار بما يقولون تسيدا إعلاميا، وانتشارا فارضا على المتلقين لهذا الهدر الطاغي.. حتى غدا المقتبلون في العمر، والخبرة، ولدونة المدارك، والمعارف ضحية ما يسمعون منهم، ويقرأون لهم.., ولما يسقط عنوة في أسماعهم، فهذا هو المعين الذي ينهلون منه.., وينشأون في أجوائه.. لذا فإن المستقبل ينبئ بهشاشة في عظام أبنية الفكر، والخبرة، ومصداقية المضمون..ونزاهة الرأي.. فهل على المرء أن يصبح، ويمسي، وهو في هذه الفوضى الإندلاقية للأعداد المذهلة للكلمات التي تسجلها كل نقرة على لوحة حرف فيجدها كلما فتح عينيه على نافذة..؟..، أو تطلقها الحناجر لسمعه كلما حرص على متابعة ما يدور في الحياة من حوله..؟، أوتمررها الوسائل العديدة التي يتعامل معها تلقائيا لمراكز وعيه..، وحسه..؟ وهل على المرء أن يدفع وقته ضريبة هذا الهدر من الأفكار، والآراء، المتسطحة، أوالمتضاربة، أوالمفخخة، والمفرغة من المضامين ذات الثقة..؟ وهل سيؤول مستقبل التوثيق لضبابية هذا الناتج مما يهرف به كل من أتيح له القول ليقول، فقال، أو يقول..؟ من يصفِّي.. ومن يصفو..؟ من يتجرد..، ومن ينتقي..؟ من يصدق..، ومن يُخلِّص..، ومن يخلِص..؟ وكيف يستوعب وقت الإنسان هدر، وهذر، ونثر هذا الحشد الكلامي المتدفق الذي لا يتوقف، من كل هذا الخليط العكر.., المثقل بالهشاشة..، والضحالة.., والتناقض.., والهزال..؟ غير ذي المصداقية والثقة..؟ ولقد تنمقت لغة الكلام، وتجملت وسائل العرض، وتيسرت أوعية الطبخ، وأشرعت مضامير الهذر, وفضاءاته، وساحاته.. فخدع بها كل أمي، فذهب مشمرا عن ساعديه، يدلي بما لديه، ليغث زمنه بفراغه،.. هذا الفراغ الذي عمر فضاء القول، وخنق حكمة الرأي، وشنق مصداقية المظان.. إنه زمن كل مين (كيبورده) له «!!.. مع استثناء الثقات، الذين يعمرون الفكر, والروح، والذائقة بما يدلون فيما يقولون، ويكتبون.. أولئك يؤسسون موقعا لطمأنينة لا تتبخر معها بهجة..، ولا تذوي بوجودها ذائقة.., ولا تضمحل بها خزينة..