منقوشة على تفاصيل كفها رحلة العمر.. كل ما في جلدها من مسامة، تنطق بتعرجات الزمن..، دروبه الطويلة،.. وجوه الأشياء فيه..، والناس..، وتلك الأصوات التي غابت عنها، لكنها تراودها في أية لحظة بصداها..! نويت زيارتها.., إذ في كل مهاتفة تفجر شوقها وشوقي.. بالأمس كنت في الطائرة جوار ابنتها.. تزاملنا الرحلة وشد الركاب إليها.. ضحكت: أي ركاب وهذه العلبة المعدنية تلمنا في غير مشيئة انطلاق.. لا حرية في الشهيق، لكننا إليها نتحرر من إسار المكان، والحالة.. محض اشتياق لذلك الوجه الذي قابلته للمرة الأولى قبل عقود أربعة، وهي كفيلة بتلك التجاعيد التي اعتمرت حول عينيها.. ساعة ونصف الساعة، وتحررنا من مركبة الحديد.. لبراح الحنين.. يا لتلك الكلمات التي صبتها في أذني ، حين حكت لي طفولتها، تركض في مضامير الفرسان مع أبيها, غرة في عقدها الأول.. تحلم بتلك السنوات إيابا.. تركض على ظهر خيوله.., تصيد معه الحباري، وتصعد الجبال..، وتلملم الزهور البرية في إهاب ثوبها.. حين قابلتها بدءا، كانت في العقد الخامس .. وها هي في التاسع من زمن العقود على كتفيها... لحظة مباغتة مذهلة الحنين حين وصلنا.. أي فرحة في وجهها، زمت البسمات ما بين عينيها، وأفرجت شفتيها بِشرا.. والله فقدناه في وجوه إنسان الحاضر.. حتى الفرح العميق تُعلمنا إياه هذه السيدة النقية، الباقية من زمن النقاء.. ساعات قليلة جوارها، استعدت أوراق الزمن معها، قرأت فيه كل متغير في ظاهر كفيها، وجبهتها.. أبدا لن نقوى أبدا أن نسترجع شيئا من عهد السلام الروحي، وسكينة الرضاء الداخلي الذي هو لها.. ولا هذه الأسرار الخفية في تباشير وجهها.. في التسعين وتقول: (أجلس بعد صلاة الصبح أقرأ أورادي، والسور التي لا أنساها.. لكنني يا ابنتي غدوت لا أقوى على الصلاة قائمة...)... وأجابت بهذا عن السر الأول للجمال الناطق فيها.. أكتب هذه الحروف, وهي قد أخذت غفوتها بعد جلسة طويلة من صلاتها الصبح،وإلى أن صلت بعد الإشراق.. وذهبت أتأمل تعاريج الزمن على صفحات جلدها.. وأبارك للطائف وجود هذه الصالحة فوق أرضها..