من النشاط المميز الذي يبني في الأجيال الثقة بالنفس، مسابقات الإلقاء التي تجرى بين المدارس، لأن مهارة الإلقاء وفنّ التخاطب من أهم المهارات التي يكوِّن بها مَن يتقنها صورة ذهنية مشرقة عند الآخرين، ولأنها مهارة قائمة على التدريب الذي يطوِّر قدرات الطالب الذهنية واللغوية، ويقوي جانب الثقة بالنفس، ويرفع من قدرة الطالب على التخاطب الأمثل، والجرأة في مواجهة المواقف. حضرت بعض المسابقات في بعض المدارس، وسمعت من الإلقاء الجميل، مع سلامة اللغة، وحضور الشخصية ما أسعدني، وأشعرني بالجهد المبذول من المدرسين المعنيين بهذه المهارة المهمة. طلاب من مراحل دراسية مختلفة من الابتدائية إلى الثانوية يقدمون نصوصاً نثرية وشعرية راقية لغة معنى، يقدمونها وفق مهارات الإلقاء من سلامة نطق، وتلوين نبرات صوت، واستخدام لغة الجسد المتفق عليها في هذا المجال. إن أهمية هذه المهارة تتمثل في تنشيطها لمجالات الدماغ البشري المختلفة، فالإلقاء يستخدم اللغة، ومجال اللغة في مخِّ الإنسان هو المجال الذي يحرك المجالات الأخرى كلها، لأن علم التشريح يؤكد أن في مخ كل إنسان مائتي مجالٍ تعمل بصورة متواصلة، فهنالك مجال التفكير، ومجال الذاكرة، ومجال الإبداع، ومجال المشاعر، ومجال اللغة وغيرها من المجالات، وهي مجالات تدار بمئات الآلاف من الخلايا العصبية والخلايا المساعدة التي يتكون منها شِقَّا الدِّماغ الأيمن والأيسر، تكلَّم عنها علماء الطب والتشريح بالتفصيل، ومما أشار إليه العلماء في شأن المخ البشري كالعالم الأمريكي «إريك كاندل» أن بعض المجالات أهم من بعضها، وأن مجال اللغة يأتي في مقدمة المجالات المؤثرة في الإنسان معتقداً وفكراً وثقافة وسلوكاً، وأن الذكاء اللغوي من أهم أنواع الذكاء وأقواها في التأثير، فلو أن إنساناً فقد القدرة على تشغيل مجالات المخ كلِّها، ثم قدَّر الله له أن يعود مجال اللغة للعمل، لاستطاع هذا المجال أن يحرك مجالات المخّ الأخرى. هنالك عناية مشكورة في معظم المدارس بمسابقات الإلقاء والإبداع الطلاًَّبي في مدارس البنين والبنات جميعاً، وإن كان لي من ملحوظة على ما رأيت فهي المبالغة في استخدام حركات اليدين والجسد عند بعض الطلاب حتى يتحوَّل المُلْقي إلى شخص متحرك مثير للضحك أحياناً، خاصة في استخدام الإشارة إلى أسفل فقد ينحني حتى يصل إلى مستوى الركوع، وقد يرفع يديه إلى أعلى حتى يظهر كالمبتهل الذي رفع يديه إلى أقصى ما يمكن وهذا من المبالغة في الإلقاء التمثيلي يُتْعِب الملقي وتَشْغَل المتلقي. إشارة: الإلقاء المتميِّز يحرِّك المشاعر، ويثير العقول، ويطرب الأسماع.