الراصد للمعرض والمؤتمر الدولي للتعليم العالي الذي اختتم فعالياته يوم أمس الجمعة يدرك أن هناك إرهاصات وتحضيرات تعمل عليها وزارة التعليم العالي.. فليس أمام السعوديين في هذه المرحلة من خيارات سوى التعليم الجامعي بكل تفريعاته وتخصصاته.. أصبح التعليم الجامعي ضرورة للمجتمعات تجاوز كونه تعليماً فئوياً لشريحة من المجتمع شريحة النخبة, والآخرون ينخرطون في التعليم المهني.. التطور التقني والحضاري وأسلوب الحياة الاجتماعية ومفردات وأدوات العصر تتطلب من الأشخاص أن يكون تعلمهم جامعياً وحاصلين على تخصص أكاديمي من أجل التعامل مع الواقع التقني الجديد, لذا ليس أمام مجتمعنا من خيار إلا مواصلة التعليم الجامعي من أجل نشر هذه الثقافة في جميع مناطق ومحافظات المملكة، بعد أن كانت الجامعات حكراً على مدن معينة حين كانت جامعاتنا (السبع) تغذي محيطها اللصيق بالخرجين، بهدف توفير موظفين لوزارات الدولة.. الملك عبدالله -حفظه الله- قاد مجتمعنا وتحديداً خلال هذا العقد منذ 1423ه حين كان ولياً للعهد وبعد ذلك حاكماً لدولتنا 1426ه ونقل الجامعات من أرقام متواضعة إلى (25) جامعة حكومية و(8) جامعات أهلية, وعمل إصلاحات في التعليم العالي حين وحد تبعية الكليات المتناثرة بين عدة جهات لتصبح تبعيتها جهة واحدة هي وزارة التعليم العالي، وهذا ترتب عليه عام 1428ه نقل أكثر من (102) كلية من ملاك وزارة التربية والتعليم إلى ملاك وزارة التعليم العالي... واليوم الآمال تتجه للملك عبدالله وإلى توجيهاته من أجل صياغة جديدة للجامعات والكليات والتي بقيت شبه معلقة ومجمدة خلال الخمس سنوات الماضية عندما أبقت الجامعات كليات المعلمين والمعلمات كما هي دون تغيير في مبانيها وأعضاء هيئة التدريس والبرامج، وهذا أدى إلى تجميد المشاريع وإبقائها على الورق والمخططات فقط, وهي التي قرر لها أن تكون مشاريع الكليات وجامعات ومدن كبرى. ويعود ذلك التجميد إلى تراخي بعض مديري الجامعات وعدم مبادرتهم في دمج كليات المعلمات في الجامعات وإعادة هيكلتها الأكاديمية والإدارية.. أمام وزير التعليم العالي د. خالد العنقري ونائبه د. أحمد السيف مهمة صعبة ومركبة هي: الإسراع في بناء المدن الجامعية, والتعجيل في إعادة هيكلة الكليات. وأيضاً أمام النائب د. السيف مسؤولية أخرى إعادة بناء المدن الجامعية من حيث الإنشاء والتخطيط وفلسفة المشروع، لأن المدن الجامعية في مشروعها لم تكن محددة النوع والجنس، أي أن المدن في فكرها وأموالها لا تفرق بين الطالب والطالبة, إنما الجامعات هي من ذكرها وخص بها الطلاب دون الطالبات.. من يكسب الرهان والتحدي العمراني هل هو الوزير العنقري, وإدارة النائب السيف وفريق عمله, أم هي مواقف إدارات الجامعات التي مازالت تعلق أوضاع كليات المعلمات فلا هي اعترفت بها وخصصت لها مباني حديثة, ولا هي أغلقتها تماماً وأذابتها وعالجت مسارها ضمن هيكلة الكليات والتخصصات المماثلة, هذا التردد والتأرجح هو الخطأ الإستراتيجي الذي كلف الدولة الأموال الطائلة, والوقت، ومستقبل الآلاف من الطلاب وهي أيضاً دفعت بالملك عبدالله أن يتدخل في حل وتقويم اعوجاج هذا الخطأ من أجل طلابنا وطالباتنا وأبنائنا، حيث دفع جيل منهم ثمناً غالياً خلال السنوات الخمس الماضية. وبالتالي لابد أن تحضِّر وزارة التعليم العالي نفسها لمرحلة صعبة قادمة لإعادة رسم خريطة المدن الجامعية وتوزيع الكليات والجامعات بالعدالة بين الطلاب والطالبات.