في هذا العصر الذي يحمل فيه نسبة لا يستهان بها من سكان العالم جهاز تواصل إليكتروني يبث فيه ما يراه ويعيشه إلى كل أصقاع الأرض؛ عصر الويكيليكس والتويتر وأخواتها؛ هل يمكن أن تمنع جهة ما حرية متابعة المعلومة؟ أو الوصول إلى المعرفة؟ لم يعد المنع مقبولا بعذر «تحصين» الفكر. فهناك عشرات السبل والشرفات المفتوحة والوسائل الأخرى للوصول إلى أي معلومة أو كتاب «ممنوع».. كان يكفي أن يُتهم كاتب ما من قبل جهة ما بأنه «يدس السم في الدسم!» لكي يتصاعد التشكيك في نياته بل والمقاطعة والتهجم عليه دون أن يتاح للمحايدين الاطلاع على آرائه مباشرة دون «ترجمة» متحيزة ملغمة بالاتهامات. هذه تداعيات طقس الوصاية الذي يرى الناس عاجزة عن تبين الخطأ من الصواب!! وبالتالي عاجزة أيضا عن تبين التهجم المفتعل من توضيح الحقائق بصورة إيجابية وبدوافع سليمة القصد . في قضية التحكم بما ينشر الكتّاب محليا لا أوافق على تكميم التعبير وترسيمه, فذلك يعني أن الصورة الواقعية لمشاعر الناس لا تصل إلى المسؤول وصانع القرار! وكلاهما يحتاج إلى معرفة ما يجري ليتخذ القرار الصحيح في الوقت المناسب لإجراءات وقائية, أي ليس بعد خراب البصرة أو غرق المدينة أو انتحار المواطن. وبالتالي لست أيضا مع التحكم في ما ينشر لكي يعطي الصورة المرغوبة المشرفة عن المؤسسة الرسمية صغيرة كانت أم كبيرة, حتى وإن كانت فعليا غير صحيحة, فتقليم المعلومات أو تضخيمها, أو التلاعب بالإحصائيات أو الانتقائية في الاستشهاد بها لتحسين الصورة, هو أيضا غش مرفوض؛ هو غش للمجتمع وللمسؤول- على افتراض عدم علمه ومساندته لعمليات التمويه لسمعة مؤسسته- وغش لصانع القرار الأعلى السواء. ومع هذا فمن الضروري ألا ينفلت النقد إلى جلد متعمد للذات الجمعية يضخم السلبي ويتجاهل الإيجابي. ولكني مع الترشيد والتقنين والمحاسبة المسؤولة لكل من تتاح له رسميا أو تطوعيا فرصة الوصول إلى الجمهور العام عبر كل موصلات ومكبرات الصوت في منابر التعبير الورقية والإلكترونية والإعلامية الأخرى. مخاطبة الجموع مسؤولية لا يجب أن تستغل لأي أسباب فردية أو في خدمة مصلحة خاصة. كل من يقف على منبر بشر. الإعلامي بشر, ووالمتلقي بشر, ولذلك فكلاهما قابل للخطأ وإساءة استعمال وسائل الإعلام. المتلقي يسئ في حق نفسه حين يتقبل كل ما يصله دون تمحيص لأنه من مرجع «يحترمه» فليس هناك مرجعية بشرية غير قابلة للخطأ والأنانية. ويسئ الاستفادة من الإعلام حين يتقبل منه فقط ما يوافق آراءه الخاصة المؤطرة في توجه بعينه من قبيل نظريات «المؤامرة» و»التغريب» و»التعميم» و»الشك في المصدر». والإعلامي يسيء حين يسخر المنبر للتزييف أو التأجيج أو الاستفراد بلكم ضحية ما أو المساهمة في شنقه لغرض شخصي. كمثال واقعي: وفي حالة أخرى من التزييف طلب من أن أشارك في تحقيق حول موضوع واستجبت ذاكرة - كعادتي - كل إيجابيات القرار وكل سلبياته, ووضحت أنني مع القرار. وفوجئت بالتحقيق ينشر رأيي ضمن الآراء وقد حذف منه كل الإيجابيات بما في ذلك تصريحي بدعمي لاتخاذ القرار!! وكل من قرأ التحقيق توصل إلى أنني ضد القرار. فكيف بعد ذلك أثق في أي تحقيق عن آراء الناس حول أي موضوع؟ و في حالة أخرى لست متأكدة من دوافعها الشخصية ولن أتكهن بها: اقترح زميل إعلامي على مجموعة يتواصل معهم إلكترونيا وضع قائمة ل «المطبلين» للنظام. ولا أعرف ما هي المعايير التي تتخير الكلام الإيجابي لتعتبره «تطبيلا», بينما تطنش كل ما كتبه نفس الكاتب من النقد.. في المقابل هناك من يعتبر النقد حتى العلمي منه جلدا للذات وخيانة للقبيلة. لست مع الاتهامات التشهيرية الحاقدة والتحقيقات الكيدية التي الهدف منها هو دوافع شخصية انتقامية, بل مع التأكد من المحتوى والتحكم فيه بحيث لا يسمح بنشر الغث ولا غير المؤكد ولا الكذب المفبرك وما خضع لعملية تطويع لرأي المسؤول أو مساندة موقف المحرر المؤدلج- ولا يؤجج العواطف تحريضيا , ولا ينشر ثقافة السموم الفكرية والذوقية والفئوية والإقصائية تحت مسمى «حرية التعبير» ثم يلبسها هالة تبجلها تحت مسمى نبيل يسوقها به أمام الغافلين. حرية التعبير تشمل مسؤولية الصدق وتقبل المسائلة والمحاسبة والترفع عن استهداف الآخرين ولو بالكلام , فليس المؤمن من ينحدر إلى لغة السباب واللعن حتى لو كان يسب ويلعن كافرا أو من يعتبره هو كافرا, وليس المثقف من يتقبل اختلاق الأدلة لتجريم من لا يتفق معه في الرأي أو ينافسه في الأضواء.