قبل سنوات تمخض توطين الوظائف وفرص العمل عندنا، بقرار سعودة محلات الخضار، وكأنما جامعاتنا وكلياتنا تخرّج متخصصين في علم الطماطم والخيار، وبالطبع لم نخرج من هذا القرار بأي فائدة تذكر. وقبل أيام صرّح مدير صندوق تنمية الموارد البشرية بأن شركات تعتزم فتح مشروع تشغيل عاملات منزليات بالأيام والأشهر، وقد تتقدم لمثل هذه الوظائف بعض السعوديات، وهذا لا يعد عيباً، إذ إن الإسلام حضّ على العمل، بدلاً من الجلوس وانتظار الأموال! أحياناً حينما نذكر المعدلات المرتفعة لبطالة المرأة السعودية، يجابهنا فريق متشدّد بأن مكان المرأة منزلها، وهي ملكة في بيتها، فماذا سيقول هؤلاء حينما تكون المرأة خادمة في بيوت الآخرين؟ الأمر المحزن الآخر هو أننا نجد الجميع، جميع الأطياف، يستخدمون الدين حسب أهوائهم، فمرة نجد الإسلام يأمر المرأة بأن (تقر) في بيتها، ومرة نجده يحضها على العمل، فهل حينما تم صرف هذه المبالغ الزهيدة تحت ما يسمى برنامج حافر، بدأت نبرة المن والأذى في قول هذا المسؤول: «بدلاً من الجلوس وانتظار الأموال»، فأي أموال يقصد؟ هل هذا المبلغ الزهيد الذي لا يأتي إلا بعد شروط تعجيز وامتهان للإنسان، يعتبر أموالاً، قد تغني المواطنة عن البحث عن العمل الشريف الذي لا يمتهن كرامتها؟ هل بعد برنامج حافز، واكتشاف الأرقام الحقيقية لبطالة المرأة عبر المتقدمات له، ظهرت نغمة جديدة، بأن الإسلام يحض على العمل؟ وهل استنفدنا جميع الأعمال المناسبة للمرأة، والتي تحفظ كرامتها، ولم يتبقَ لها سوى العمل على وظيفة خادمة منزلية؟ أليس التحاق السعوديات اللاتي لا يحملن مؤهلاً جامعياً في مصانعنا، كعاملات خطوط إنتاج، أشرف وأرقى من أن يعملن بالأجرة اليومية والشهرية في منازل الآخرين؟ أليس عملهن في البنوك والشركات في الوظائف العادية، بدلاً من ملايين الأجانب، أكثر منطقية وقبولاً لدى المجتمع؟ هل هذا التصريح مثلاً، والذي يتباهى بأن رواتبهن لن تقل عن ثلاثة آلاف ريال، يعني أنه على المستفيدة من خدمات حافز، أن تقبل بالتدريب على وظيفة عاملة منزلية، براتب أعلى من مكافأة حافر، وإلا فإن البرنامج (يتعذّرها)، وكأنما هي محاولة ذكية للتخفيف من أعداد المستفيدات من البرنامج. لا أعتقد أن كفاءات الوطن وطاقاته المفكّرة عاجزة عن أن توجد فرص عمل محترمة للمرأة السعودية، سواء بسياسة الإحلال مكان العمالة الأجنبية، أو إحلال الخريجات الشابات مكان الأمهات اللاتي تجاوز بهن العمر القدرة على الأداء الجيد، خاصة في قطاع التعليم، فليس معقولاً أن سن التقاعد للمعلمة هو الستون عاماً، إذ إن فارق التفكير أصبح شاسعاً بين امرأة ستينية وبين أطفال المرحلة الابتدائية، في المقابل هناك خريجات في العشرينات والثلاثينات قادرات على التعليم بشكل متميز، هذا الجيل الرقمي، الجيل الإلكتروني، لا يمكن أن يستوعبه إلا جيل يتفهم أدوات العصر الجديد، لا السيدات الفاضلات اللاتي توقفن عند الرد على جهاز جوال (أبو كشاف) أو (رهيب2000). أعتقد أن إحالة هؤلاء المعلمات على التقاعد المبكر، ومنح غيرهن الفرصة لخدمة الوطن، وتعليم الجيل الجديد بوسائل التقنية الحديثة، هو أحد الحلول لخفض معدلات بطالة المرأة.