قبل ما تحدث «فتنة» الخميني بعد وصول أتباعه للسلطة في إيران وانتهاجهم أسلوب تصدير الاضطراب والفوضى للدول المجاورة من خلال نشر فكر ولاية الفقيه وتعميق الخلافات المذهبية بين المسلمين. قبل ذلك كان المسلمون سنة وشيعة يتعايشون دون أن يعكر صفوهم خلاف أو تنازع وكان أبناء المنطقة وبالذات دول الخليج العربي بما فيها العراق يعتبرون أنفسهم نسيجاً واحداً، عمق من هذا الشعور الترابط العشائري والامتداد الأسري حيث ترتبط الكثير من القبائل والأسر مع بعضها البعض، ليس بين مواطني دول الخليج العربية فقط، بل حتى في العراق الذي يضم أسراً لها أبناء عمومة في دول الخليج العربية وبالذات المملكة العربية السعودية والكويت، وبالنسبة للسعوديين كانوا يشكلون حضوراً ووجوداً مكثفاً حتى أن مدناً بكاملها يسكنها سعوديون، وبعضها يشكل الأغلبية فيها من منتصف القرن الماضي، فمدينة الزبير وسوق الشيوخ والناصرية والبصرة وسماوة، كانت تضم العديد من الأسر السعودية التي يطلقون عليهم العراقيون «النجادة» وهناك أحياء كبيرة في مدن عراقية أخرى يقيم فيها السعوديون يسمونهم ب»العقيلات» لأنهم أحفاد العقيلات التي كانت قوافلهم لا تنقطع عن العراق، وفي بغداد حي كبير في منطقة الكرخ اسمه حي العقيلات وهو الذي كان يضم مبنى الإذاعة والتلفزيون، ومقابله فندق المنصور، وهناك العديد من أبناء العقيلات والنجادة من السعوديين الذين تقلدوا مناصب عليا ومنهم من رأس الحكومات، ومنهم من كان رئيساً لمجلس النواب والعديد من الوزراء. الحضور السعودي في العراق كان فاعلاً ومؤثراً ومحترماً ومقدراً من العراقيين حيث كان التجار السعوديون يديرون العمل التجاري والاقتصادي وخاصة في الجنوب، كانوا في البصرة والناصرية وبغداد هم الأكثر نشاطاً ويحظون بثقة عالية من قبل نظرائهم العراقيين، وهم من فتحوا قنوات التعامل التجاري مع الهند ودول الخليج، وظل السعوديون من أكثر العرب ترحيباً في العراق لأنهم كانوا الأفضل تعاملاً وإسهاماً في تطوير العراق تجارياً وإدارياً، وظل هذا الوضع حتى هبت رياح الفتنة القادمة من الشرق بعد انتهاج ورثة خميني أسلوب تصدير الفتن للدول العربية ومنها العراق، وبعد غزو واحتلال العراق وخضوعه لحكم أحزاب موالية لما هو موجود في طهران الذي لم يخف عداءه للعرب جميعاً وإن تستر بادعاء دعمه للقضية الفلسطينية، وهو ادعاء زائف وكاذب، وبعد تدفق «الجراد الطائفي» من إيران ليأكل الاستقرار والسلم الطائفي في العراق، أصبح العرب وبالذات من أهل السنة هدفاً لحقد الجراد الطائفي، وطبيعي أن يكون السعوديون هم الأكثر استهدافاً وإيذاءً من الحكام الجدد ومن الذين تشبعوا بالأحقاد الطائفية القادمة من الشرق. الآن يدفع السعوديون الموجودون في المعتقلات العراقية تبعات الحقد الطائفي والعنصري حيث يعامل المعتقلون السعوديون هناك أسوأ معاملة ويتعرضون للتعذيب والإيذاء، ولا يحظون بمحاكمات عادلة إن كان هناك قضاء عادل في العراق. نتيجة هذا الاستهداف الطائفي والعنصري تصلني العديد من المناشدات من عوائل هؤلاء المعتقلين مطالبين بسرعة تنفيذ اتفاقيات تبادل المسجونين العراقيين والسعوديين التي وقعت في 19 آذار مارس الماضي.