مهنة الطب مهنة شريفة أنعم الله بممارستها على نخبة من الناس، فيهم الحسن وفيهم السيئ، والأطباء كما قيل هم ملائكة الرحمة في الأرض، هناك أطباء امتهنوا المهنة فقط لأغراض تجارية وربحية فالمهم لديهم كم يدخل في حسابهم البنكي كل يوم؛ مغفِلين تماماً الحس الإنساني المتجلِّي في طبيعة عملهم وهو التطبيب وعلاج المرضى المحتاجين لخدمتهم. وعلى العكس تماماً هناك أطباء احترفوا المهنة رغبة منهم لمد يد العون، وتقديم كافة المساعدات الطبية لكل من يحتاجها، وهؤلاء - ولله الحمد - تفخر بلادي بوجود عينة لا بأس بها منهم، ونتمنى أن يتزايدوا. ما سبق مقدمة بسيطة لأمر وقفت عليه بنفسي خلال زيارتي الأخيرة للهند ضمن وفد الشباب السعودي الهندي، وفيها قمنا بزيارة إلى مستشفى نارايانا هرودايالايا الهندي الخيري في مدينة بنغالورو الهندية، وهو مستشفى متخصص بأمراض القلب يقدم خدماته العلاجية للألوف من المرضى وبشكل يومي، وتجرى به يومياً حدود 35 عملية جراحية للقلب. كما وأنه يقدم خدماته الصحية للمناطق النائية من خلال التطبيب الاتصالي عن بُعد، وعبر تقنيات الاتصال الطبي الحديثة. هذا المستشفى أسسه ويديره طبيب يحمل صفات الطبيب الإنسان ذي القلب الكبير، فهو مستشفى خيري يقدم خدماته لعامة الناس وخصوصاً الفقراء منهم، ولا يتم رفض طلب أي مريض للعلاج بسبب عدم توفر المادة. ترك هذا الطبيب وظيفته في بريطانيا مستغنياً عن دخله المرتفع ليعود لوطنه ويؤسس المستشفى ويقدم خدماته لعامة الناس من المرضى، وهو يمثل بحق صفة الطبيب الإنسان الممارس لمهنة الطب بشرف، وليس بغرض البحث عن المادة. التقيته شخصياً وسألته عن شعوره بخدمة مرضاه، فقال لي إنه لا يحس بالسعادة إلاّ بعد أن يرى الفرحة بوجوه ذوي المريض بعد نجاح العملية. كم نحن فعلاً بحاجة إلى تغيير في مفهوم الخدمات الصحية الأهلية، لننتقل من علاج المرضى بهدف الثراء إلى هدف آخر نبيل، وهو علاج المرضي لنساعدهم على أن يحيوا حياة كريمة وينعموا بصحة دائمة.