سلكت مؤخراً الطريق الرائع الممتد من حائل إلى الجوف، وهو امتداد للطريق القادم من الرياض إلى القصيم فحائل فالجوف إلى أن ينتهي بمركز الحديثة على الحدود السعودية الأردنية. لا شيء يفسد جمال هذا الطريق ومتعة السفر عبره سوى انتفاء - ولا أقول نقصا بل انتفاء - جميع الخدمات منذ أن تخرج من حائل إلى أن تصل إلى الجوف.. لا محطات بنزين.. لا ماء.. لا محلات تموينات.. لا خدمات سوى محطات وزن الشاحنات (هذا إذا اعتبرناها خدمات بالنسبة لمن يسلك الطريق) وذلك على امتداد مسافات واسعة وسط بحر من رمال صحراء النفود الكبرى تتجاوز الثلاثمائة كيلو متراً..! كان الطريق في السابق يخترق مدينة حائل، وكان المسافرون يُذَكِّرون بعضهم بعضاً بأن الخدمات تختفي بعد حائل، ولذلك يبادرون بتعبئة خزانات سياراتهم بالوقود ويشترون حاجياتهم من الماء وغيره من المحطات التي تقع في الأطراف الشمالية من حائل.. لكن التعديل الذي جرى على الطريق اختصر المسافة والمدة على المسافرين فأراحهم من الدخول في زحمة المدينة، وهذا جيد لمن هو مسافر على عجل.. لكنه أيضا وضع المسافرين في ورطة كبيرة، فالكثيرون منهم يكتشفون بعد أن يتوغلوا في الطريق أنهم قد تجاوزوا مدينة حائل وعليهم أن يتدبروا أمورهم حسبما تأتي الظروف.. فقد تكون الظروف حسنة ويصادفون في طريقهم أحد عمال الصيانة فيخبرهم أن هناك محطة بنزين صغيرة في بلدة جبة إلى الغرب من الطريق على بعد مسافة في منحدر يترامى لعدة كيلو مترات دون أن تراها العين المجردة لمن يسلك الطريق.. وقد تتوقف سياراتهم قبل أن تصل إلى جبة بسبب نفاذ الوقود تماماً.. وقد لا يخدمهم الحظ فلا يصادفون من يخبرهم بالمحطة النائية في بلدة جبة التي لا تبيع إلا صنفاً واحداً من البنزين يفرح به المسافر كما لو أنه يوزع مجاناً..! إن طريق حائل - الجوف الذي يخترق صحراء النفود الكبرى برمالها اللامتناهية هو معجزة من معجزات التنمية، وقد انتظره المواطنون عقوداً طويلة.. وأصبح الآن شرياناً حيوياً يربط وسط المملكة بشمالها ويصب في الأردن ومنها إلى بلاد الشام فتركيا وأوربا. والطريق يمتد لمسافات تبلغ مئات الكيلو مترات بمسارات مزدوجة مترفة.. لكن انعدام الخدمات في الجزء الذي يربط بين الجوف وحائل هو تطبيق حرفي لقول الشاعر المتنبي: (ولم أرَ في عيوب الناس عيباً / كنقص القادرين على التمام). هذا الطريق الذي أنفقت الدولة على إنشائه مليارات الريالات لم تُفلِح الجهات المعنية (ولا أدري من هي؟!) في إنهاء معاناة سالكيه بتوفير الخدمات.. وقد سألت فقيل لي إن المشكلة تتعلق بعوائق بيروقراطية مرتبطة بملابسات منح الامتياز لمؤسسة من القطاع الخاص كي توفر الخدمات المطلوبة.. ولا أدري ما هي هذه العوائق ولا إن كانت هي فعلاً ما يحول دون تقديم الخدمات على هذا الطريق المعجزة أم أن هناك أسباباً أخرى؟! قد يكون الأمر يتعلق بأكثر من جهة وليس بجهة واحدة. ربما هي وزارة النقل أو هي وزارة المالية أو ربما وزارات أخرى أو هيئات ولجان لا نعرفها.. ولكن أياً كانت تلك الجهة أو الجهات فإن المرجو والمأمول هو أن تتحرك قبل أن تقع كارثة إنسانية.. لحظتها سنعود إلى عادتنا القديمة في البحث عن حلول مسلوقة ومكلفة في أرشيف كبير اسمه أرشيف «إدارة الأزمات».