تأتي المنح في طيات المحن؛ فقد سقط النظام الحاكم في سوريا عربياً وإسلامياً، وقبل ذلك وطنياً وأخلاقياً، وهو نظام ساقط بكل هذه المعايير منذ استيلائه على السلطة منذ أربعة عقود، هذه العقود الأربعة التي ائتمن فيها الخائن، وخُوِّن الأمين، واسترعت فيها الذئاب الغنم. اليوم، وفي احتفالية دموية، وفي رمقه الأخير، يلغ هذا النظام في دماء الأبرياء من الأطفال والنساء والرجال من أبناء الشعب السوري المظلوم، في مشهد لا مثيل له، مشهد يذكِّر العالم بجرائم قادة المغول البرابرة يوم اجتاحوا بلاد الشام والعراق في منتصف القرن السابع الهجري. الشيء الأكيد هو أنه كلما عظمت جرائم هذا النظام كان ذلك أبعد من حصول مرادهم، وأسرع في زوالهم، بل وفي إصرار الشعب السوري في استئصال كل أثر أو مظهر يذكّر بهؤلاء السفاحين، وهذا يعني أن تطهير سوريا من رجس النظام الأسدي سيكون تطهيراً كاملاً، يحذو حذوها فيه جميع بلاد الشام، وخصوصاً لبنان، وهذا ما لا يمكن أن يحدث لولا هذه المجازر الوحشية التي ترتكبها عصابات الأسد بدعم من إيران وروسيا والصين، هذا النظام الذي ينتهك الأعراض ويغتصب الأطفال، ونحن نعلم ماذا تعني هذه الجرائم في القيم والأخلاق العربية، فضلاً عن الشريعة الإسلامية. لقد قطع هذا النظام كل خطوط الرجعة والمصالحة مع الشعب، وانساق وراء النصائح الإيرانية والروسية التي لا يعنيها إلا مصالحها التي لو وقف نظام الأسد في طريقها لداسوه بأقدامهم، هنا يظهر لنا عظم الخديعة والطعم الماكر الذي ابتلعه نظام بشار على يد وكلاء الصهيونية العالمية وطابورها الخامس من الإعلاميين والسياسيين ودهاقنة العمالة وأبواق الصهيونية، الذين ما زالوا ينعقون من خلف القنوات الفضائية بما لم يسبقهم إليه أحد من العالمين. وكما قيل: إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت، لكن ما مصير عصابات الأسد ومرتزقة حزب الله بعد انتصار الشعب السوري ونيله حريته وكرامته؟ لقد وضح الشيخ الطفيلي الأمين العام السابق لحزب الله أن مصير هؤلاء بعد انتصار الشعب السوري هو اللجوء إلى إسرائيل، نعم اللجوء إلى إسرائيل، هذا كلام الشيخ الطفيلي؛ لأن حزب الله ونظام الأسد جزء من مشروع إسرائيل في المنطقة العربية، ويشرف على ذلك خادم الصهيونية الأمين في طهران؛ فهم جميعاً نسخة معدلة ومفبركة من سعد حداد وإخوانه المنشقين على أمتهم وأوطانهم، لم تكن لتظهر هذه الحقائق ويشاهدها الجميع اليوم لولا هذا القتل والتدمير الذي يقوم به نظام الأسد تجاه الشعب السوري المظلوم، وعلى هذا فيجب أن يصمت هؤلاء الكذابون المدافعون عن قتلة النساء واغتصابهن واغتصاب الأطفال، يجب أن يصمت هؤلاء الكذابون المدافعون عمن يقتلعون العيون والحناجر، ويسلخون الجلود في مشاهد تذكّر بتعاليم القرامطة والباطنية التي أنتجها الفكر اليهودي، وجعلها أداة يستخدمها لتمزيق وحدة المسلمين وتمكين الصهاينة في الأرض، ثم أقول: لقد تطهرت بلاد الشام، وظهر الحق، وحصحص، وعلم القاصي والداني حقيقة الأكذوبة الكبرى التي كان يتستر بها نظام الأسد وحزب الله؛ فالقوم منافقون، لكن سقطت الأقنعة، (ومهما تكن عند امرئ من خليفة وإن خالها تخفى على الناس تعلم)، كما انكشف الطابور الإيراني في المنطقة العربية، وظهر للعيان عمق تحالفهم الاستراتيجي والمصيري مع دولة العدو الإسرائيلي والمافيا الصهيونية العالمية في سوريا. لقد فَقَد العالم العربي والإسلامي ثقته بالأمم المتحدة ومجلس الأمن فكانت الثورة السورية هي القشة التي قصمت ظهر هذا البعير الأعمى الأصم والأبكم عما يحدث في سوريا وفلسطين. لماذا لا يحرك مجلس الأمن ساكناً؟ لأن النظام السوري والنظام الإسرائيلي يحملان عقيدة واحدة ورسالة واحدة وهدفاً واحداً. وتخطئ إسرائيل عندما تعتقد أنها بمنعها دولاً كبرى من اتخاذ خطوات حاسمة ضد النظام السوري أن ذلك يحقق مصلحة لإسرائيل؛ لأن هذا النظام سيسقط اليوم أو غداً، لكن الشيء الأكيد هو أن هذا الموقف الإسرائيلي من الثورة السورية هو المسمار الأول الحقيقي في نعش إسرائيل ودولة أرض الميعاد. وبيان ذلك أن الشعوب عندما تكتشف أن سيادتها الوطنية مسلوبة، وأن حاضرها ومستقبلها بيد غيرها، وتحديداً المافيا الصهيونية العالمية، فإن شعورها حينئذ هو شعور المقهور الذي سُلبت حريته وأرضه وكرامته، وهو شعور لا يختص بفئة أو طائفة من أبناء الوطن السوري، بل سيشمل جميع الشرفاء والأحرار حتى من غير المسلمين، بل سينظر جميع العرب والمسلمين إلى سوريا كبلد محتل يجب تحريره كما يجب تحرير فلسطين، وهنا ستدخل القضية العربية الإسرائيلية في منعطف جديد، سيؤدي إلى حتماً إلى خلق واقع جديد!! إن ما تقوم به إسرائيل وإيران والولايات المتحدة من معارك كلامية وهمية حول البرنامج النووي الإيراني ليس إلا لصرف الأنظار عما يجري في سوريا. ومهما يكن من أمر فالنظام السوري ساقط لا محالة، ولن يؤدي سقوطه إلى حرب كونية، كما أنه لن يتغير لسقوطه نظام المجموعة الشمسية، كل يوم يمضي وهذا النظام باق في السلطة يؤكد أن المؤسسات الدولية والإقليمية فقدت مصداقيتها، وتجردت من القيم الإنسانية والأخلاقية، وأصبحت أوكاراً للمتاجرة بدماء الشعوب ومصائرهم، وخير دليل على ذلك الموقف الروسي والصيني المشين، لكن الأيام دول، ومن يزرع الشر يحصد الندم، وإن غداً لناظره لقريب. (*) أستاذ مساعد بكلية الملك خالد العسكرية