محمد مراح شاب فرنسي مسلم من أصول جزائرية. هذا الشاب يبدو أنه كان مضطرباً نفسياً بسبب طلاق والدته المبكر، وافتقاده إلى التربية القويمة. دخل السجن وهو صبي، وعاد إليه مراراً وهو شاب؛ ثم حاول أن يلتحق بالجيش الفرنسي ورُفض لسجله الأمني الوضيع. وبسبب هذه الإحباطات المتراكمة قرر أن ينتقم من المجتمع الذي لفظه فاتجه إلى الإرهاب. في أفغانستان، وكذلك وزيرستان في باكستان كانت خطواته الأولى في مدرسة الإرهاب. وهناك تشرَّب البغضاء والكراهية لكل ما هو غير مسلم، وتعرَّف على السلاح، وثقافة القاعدة، وكيف يقتل ويفجر ويتلذذ بإراقة الدماء كما هي رسالة الإرهابيين في العالم. وفي مدينة تولوز جنوب غربي فرنسا طبّق ما تعلم، وما درّبه أساطين الإرهاب عليه، فأقدم على ارتكاب جريمتين بدم بارد كما هو ديدن الإرهابيين؛ واحدة بقتله وجرحه ثلاثة جنود فرنسيين، اثنان منهم مسلمين، والثانية باغتياله ثلاثة أطفال يهود وحاخام كان برفقتهم. وبعد أن ارتكب جريمتيه استطاعت السلطات الأمنية الفرنسية أن تصل إليه، وأن تحاصر المنزل الذي يقطنه، وحاولت بأي ثمن أن تقبض عليه حياً، غير أنهم اضطروا أن يردوه قتيلاً بعد أن حاول الهرب وجرح عدد من الشرطة. وفي اتصال على إحدى القنوات الفضائية الفرنسية أثناء حصاره برر جرائمه بأنها كانت انتقاماً لمقتل الأطفال الفلسطينيين، وبسبب مشاركة الجيش الفرنسي في الحرب في أفغانستان، وحظر النقاب في فرنسا؛ وأكد أنه ينتمي إلى تنظيم (القاعدة) الإرهابي. اليمين الفرنسي المتطرف المعروف بموقفه المناهض للهجرة وللمهاجرين وبالذات للمسلمين منهم حفاظاً على الثقافة والهوية الفرنسية كما هي شعاراته، استغلَّ الحادثة انتخابيا، وركز عليها، واعتبرها دليلاً على وجاهة مطالبهم بالتضييق على المهاجرين والحد من الهجرة إلى فرنسا. كذلك اعتبر المناوئون لساركوزي معرفة الجهة الأمنية الفرنسية عن زيارته لأفغانستانوباكستان، وتركهم له حتى ارتكب جريمتيه، تفريطاً أمنياً تُسأل عنه وزارة ساركوزي، الأمر الذي قد يؤثر سلباً على حظوظه في الانتخابات المقبلة. وتعيد هذه الأحداث إلى الأذهان ذكرى الانتخابات الإسبانية التي جرت في عام 2004 والتي أجريت بعد ثلاثة أيام من انفجارات في مدريد نفذها قاعديون؛ عندما خسر المحافظون الانتخابات لصالح الاشتراكيين. كل ما أريد أن أقوله معلقاً على حادثة فرنسا الأخيرة أن أي تطرف من جهة الإسلامويين، وبالذات الإرهابيين منهم، سيصب حتماً في مصلحة المتطرفين اليمينيين، وسيبرر بالتالي مواقفهم المناهضة للإسلام، كما أنه سيُضيِّق الخناق على المسلمين في الغرب ويكرِّس العداء للإسلام، وكذلك للمسلمين، بدعوى أنهم خطر على الأمن والسلام في الدول التي يعيشون فيها. وفي الوقت ذاته سيجعل الساسة في الغرب يتبنون مواقف أكثر تطرفاً وعدائية وتضييقاً على المسلمين، سواء من يعيشون بينهم، أو القادمين إليهم، على اعتبار أنّ تبنّي مثل هذه المواقف المتطرفة من شأنها أن تمهد الطريق لهم للوصول إلى السلطة. إن أهم ما يجب أن ندركه ونعيه ونضعه نصب أعيننا دائماً أننا في هذا العصر لا يمكن أن نعيش منفصلين عن العالم كما كنا في العصور الماضية؛ ومن يظن أن بإمكاننا أن نعيش في معزل عن العالم، كما هو خطاب دعاة الكراهية والبغضاء، فهو بلا شك مختل عقلياً. كما أننا في حاجة إلى العالم الآخر، بشرقه وغربه، أكثر مما هم في حاجتنا، وأن عدم المبالاة بهذه الحقيقة وعدم الاكتراث بها سيكلفنا ويكلف صورة الإسلام كثيراً من الخسائر الباهظة على جميع المستويات. إلى اللقاء.