كتبت فيما مضى، وطالبت بعدم القسوة على روسيا والصين في الموضوع السوري، وتساءلت عما إذا كان هناك تنسيق بين القوى العظمى حيال هذا الملف، والتنسيق هنا هو تسمية مخففة للتواطؤ، وقلت بالحرف «فتش عن الموقف الإسرائيلي» فحيثما توجه ستتوجه المواقف بلا تردد، وكنت أيضاً قد أوردت بمقالة لي - وبالنص- تصريحات واضحة من قيادات إسرائيلية سياسية وعسكرية ومثقفين إسرائليين يقولون صراحة «إن بقاء الأسد رغبة إسرائيلية»، وأنه ملك إسرائيل غير المتوج! ومع أن هناك من استنكر مثل هذا الادعاء، إلا أن تطورات الأحدث خلال الأسابيع الماضية قد كشفت المستور، فقد بدت الرغبة الإسرائيلية واضحة ببقاء النظام السوري، إذ طلب السيد نتنياهو وبصراحة متناهية من الإدارة الأمريكية عدم الضغط على الأسد، وتبع ذلك تصريحات مرتبكة من وزيرة الخارجية الأمريكية، ومن مستشار الأمن القومي الأمريكي، ومن المتحدث الرسمي باسم البيت الأبيض تتحدث عن خطورة تسليح المعارضة السورية، وبلغ التخبط أوجه من خلال الزعم بأن مثل هذا السلاح قد يقع بيد تنظيم القاعدة، نعم، تنظيم القاعدة بسوريا، وهي البلد الذي يحصي على المواطنين أنفاسهم على مدار الساعة! وخارج نطاق فضيحة نظام المقاومة السوري، وفضيحة السيد حسن نصر الله، الذي كان يطرح نفسه على الدوام بأنه سيد المقاومة الحقيقية ضد «العدو الصهيوني»! وما يتعلق بمواقفهم الحقيقية من إسرائيل، فإن المتابع يتوقف عند هذا «الالتفاف» العالمي حول نظام كان يطرح نفسه على الدوام بأنه نظام الممانعة، ويعير الأنظمة العربية الأخرى، وخصوصاً الخليجية بأنها أنظمة «معتدلة!»، إذ لو كان عدواً حقيقاً كما يشاع لسارعت القوى العالمية إلى القضاء عليه منذ الأسابيع الأولى للثورة، تماماً كما فعلوا مع النظام الليبي. ولأن فضيحة الرغبة الإسرائيلية المعلنة حالياً ببقاء الأسد تعتبر من العيار الثقيل، فقد حاولت الأوساط الإسرائيلية التخفيف من وقع ذلك قدر المستطاع، إذ إن الأخبار الواردة من تل أبيب تشير إلى أن هذا الدعم هدفه المحافظة على الهدوء في الجولان، تماماً كما كان على مدى أربعة عقود، لأن كل الاحتمالات ستكون واردة في حال سقط النظام الأسدي، وهو تبرير يؤكد ما كان يشاع دوماً من أن هناك حلفاً صامتاً بين إسرائيل والنظام السوري، وهو الادعاء الذي كانت سوريا تنفيه دوماً. أما الطامة الكبرى فهي التقارير التي أشارت إلى أن لقاءات سرية تمت خلال الأشهر الماضية بين مسؤولين إسرائليين وسوريين، وقد تم الاتفاق على أن تدعم إسرائيل نظام الأسد مقابل اعتراف النظام رسمياً بدولة إسرائيل على كل الأراضي المحتلة بما في ذلك الجولان، وعلى أن يتم تبادل السفراء بين البلدين. وختاماً، فإن تماثل المواقف بين إسرائيل، وبين عدوها اللدود حسن نصرالله فيما يتعلق بسوريا أمر مذهل ويستحق التوقف.