لم تكن المنطقة الشمالية وحدها، التي حظيت بوعود التنمية من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز خلال زياراته التفقدية للمناطق، إبان توليه زمام الحكم في البلاد. كل المناطق النائية، والتي لم تحظَ من قبل بمشروعات التنمية «لأسباب خارجة عن الإرادة» حظيت بوعود ملكية بأن تأخذ حقها من الرخاء والتنمية؛ وهو ما تم تباعا. أصدر الملك عبد الله إستراتيجيته التنموية التي أطلقت عليها سابقا «التنمية المناطقية» حيث هَدِفت الإستراتيجية إلى تحقيق عدالة التنمية، وتعويض المناطق الأقل حظوة بمشروعات ضخمة تعوضها عن ما مضى، وتحقق لها، ولمدنها وقراها وسكانها الرفاهية والرخاء. عندما تحضر الإرادة الملكية، بعد إرادة الله عز وجل، وتتوفر الميزانيات الضخمة التي يمكن من خلالها إنشاء مُدن ضخمة من العدم، فلا بد أن يقابلها إنجاز كبير على أرض الواقع، يحقق رؤية ولي الأمر وطموح المواطنين. «وعد الشمال» جمعت بين التنمية المناطقية، والتنمية الصناعية التي يُهدف من خلالها توسيع القاعدة الإنتاجية، وتنويعها، وتحقيق الاستثمار الأمثل للموارد المتاحة، وتحقق غاية تنويع مصادر الدخل من خلال الاعتماد على الصناعة كخيار إستراتيجي يمكن أن يحقق هدف التنمية المستدامة بمشاركة بين القطاعين العام والخاص. أجزم بأن يحظى مشروع «وعد الشمال» باهتمام بالغ، وكفاءة التنفيذ، وسرعة الإنجاز، ودقة المواعيد؛ خاصة وأن المعادن المُكتشفة تستدعي التعجيل في استكمال البنى التحتية وتشييد المنطقة الصناعية وربطها برأس الخير. «مدينة وعد الشمال» ستُنجز بإذن الله في موعدها، ووفق الرؤية العالمية الكفيلة بتحقيق التنمية الصناعية على غرار ما حدث في مدينة الجبيل الصناعية. عندما تجتمع الجهود الحكومية، بجهود القطاع الخاص يتحقق النجاح المنشود، فالحكومة تكفلت بإنشاء البنى التحتية في الجبيل الصناعية ودعمت إنشاء شركة سابك التي كانت القائد الحقيقي للقطاع الصناعي الحديث في السعودية، ومع مرور الوقت نجح القطاع الخاص في إنشاء مجمعات صناعية ضخمة حققت الهدف المنشود، وحولت حلم الصناعات البتروكيماوية إلى حقيقة ثابتة. اليوم، لم تعد الحكومة مسؤولة عن تطوير المناطق السكنية بل أصبح القطاع الخاص مسؤولا عن ذلك. أعتقد أن ما حدث في الجبيل الصناعية رُبما أُعيد استنساخه في المنطقة الشمالية، وهو ما يجعلني أكثر تفاؤلا بمستقبل المنطقة المُستهدفة بالمشروعات الصناعية على وجه الخصوص. إنشاء مدينة صناعية، تشمل البنية التحتية اللازمة للصناعة والمرافق الاجتماعية ستسهم في جذب الاستثمارات الصناعية التحويلية كما حدث في الجبيل الصناعية من قبل؛ في الوقت الذي سيسهم فيه مشروع شركة معادن للصناعات الفوسفاتية ومشاريعها الأخرى المرتبطة به، التي يُعتقد أن تشمل إقامة عشرة مصانع عملاقة بمواصفات عالمية، في جذب الاستثمارات الصناعية، وتنمية الصناعات التحويلية، إضافة إلى التوسع في الصناعات الموازية، ودعم المنشآت المتوسطة، وجذب الاستثمارات الأجنبية المشتركة. لا خلاف على البعد الاقتصادي والتنموي لمدينة «وعد الشمال»؛ ولكن ماذا عن منطقة الشمال، ومدنها التي تعتبر في أمس الحاجة للتنمية المتوازنة، والمشروعات الطموحة. إقامة مدينة صناعية متكاملة ستدعم اقتصاد المنطقة، والاقتصاد الوطني؛ إلا أن التنمية الحقيقية يجب أن تتجاوز محيط المدينة المُستهدفة، إلى مُدن الشمال التي تنتظر بفارغ الصبر قطار التنمية الموعود. عندما أنشئت الجبيل الصناعية حظيت بالدعم الكامل من الحكومة، إلا أن ذلك الدعم الحكومي قَصُرَ عن تغطية مدينة الجبيل البلد الملاصقة للصناعية، على الرغم من توصية الملك خالد، رحمه الله، بإعطاء الجبيل البلد وأهلها ما يريدون، إلا أن القائمين على المشروع الضخم رأوا غير ذلك، لحسابات خاطئة، نتج عنها حدوث فجوة تنموية كبيرة بين مدينتين متلاصقتين تخضعان لمظلة إدارية واحدة، ما زالت مشكلاتها قائمة حتى اليوم. ما حدث من قصور تنموي في الجبيل أرجو ألا يتكرر في منطقة الشمال، فمدينة وعد الشمال، يجب أن تكون مركز التنمية شريطة أن يشمل مُحيطها كامل مدن الشمال الأخرى، كي يستفيد السكان من تلك الطفرة الصناعية والتنمية السكانية. أقترح أن تُنشأ هيئة ملكية للشمال يُسند إليها أمر تنمية مدن الشمال بميزانيات مستقلة ومباشرة كما حدث في الجبيل الصناعية لضمان تحقيق التنمية المتوازنة، وتعويض منطقة الشمال بأكملها عما فقدته خلال العقود الماضية. وعد الملك عبد الله أكثر شمولية وسخاءً من المدينة الصناعية، وكل ما أخشاه أن يتعامل حاملو ملف «وعد الصناعية» مع التوجيهات الملكية السخية، والمفتوحة، كما تعامل أسلافهم مع ملف تنمية منطقة الجبيل في نهاية السبعينات الميلادية من القرن الماضي، فننتهي بفجوات تنموية؛ بين مدن المنطقة الواحدة؛ يصعب أمر علاجها مستقبلا.