لم تكن شمس يوم الأحد 3-6-1433ه باهتة الإشراق أو شحيحة الضؤ، بل كانت ناصعة لا عتمة فيها، وإن كان هناك من عتمة فهي في قلوبنا التي تلقت نبأ وفاة والدي (علي العبدالله الزنيدي) طيب الله ثراه.. رحل في ذلك اليوم ونحن كلنا إيمان بأن لكل أجل كتاب.. وكل نفس غير مخلدة.. وكل حي مصيره إلى قبر ينقله إلى دار البقاء.. رحل أبوصالح ولم يكن رحيله بالهين رغم إيماننا بأننا جميعاً زائلون.. رحل بقلبه الطيب الذي يتقاطر حباً وعطفاً وتصالحاً مع الجميع.. لم يكن يملك من الدنيا إلا القناعة والإنسانية الطافحة.. عاش حياته كادحاً في فلاحته (مزرعة الخياط) بين المواشي الحلوبة وما يغتنمه من بيع محصول ثمر النخيل وكأنه بذلك يملك كنوز الأرض كلها.. لم نسمع يوماً ما صوتاً صاخباً أو عتباً قاسياً أو لوماً لاذعاً.. بل كنا نخجل من صمته أدباً واحتراماً لوقاره وأبوته.. (اللهم اجعل قبره روضة من رياض الجنة وأبدله داراً خيراً من داره وادخله الجنة وأعذه من عذاب النار ومن عذاب القبر..). عاش -رحمه الله- كادحاً من أجل أن ننعم برغد الحياة ونتلذذ بها.. عاش متصالحاً مع الجميع مضيافاً للبعيد قبل القريب.. ضيوفه زواره أهل التجارة كانوا من خارج عنيزة أكثر من داخلها.. وحينما يبتاعون منه لا يقبض نصيبه وحقه من المباع إلا بعد قناعة المشتري بحسن المشترى.. (اللهم انعم عليه برحمتك ورضاك وقه فتنة القبر وعذابه وأمنه برحمتك من عذابك حتى تبعثه إلى جنتك يا أرحم الراحمين..). رحل أبوصالح وحياته مليئة بالكدح المتواصل من أجل أن تبقى لقمة العيش بيننا سائغة لذيذة.. رحل في عقده التاسع بأميته الغريبة العجيبة.. لا يعرف القراءة والكتابة لكنه يختم القرآن تلاوة أكثر من ثلاث مرات في رمضان.. ومقابلها لا يعرف كتابة اسمه أو قراءته.. تعلم قراءة القرآن على يد (المطاوعة) فأصبح القرآن هو سلوته وهو كتابه الوحيد في حياته.. ما أسعدك يا أبا صالح بعظمة أجر ما ختمت من كتابه الكريم.. وما أحزن قلوبنا في فقدك.. عشنا تحت مظلتك تجللنا عن البرد فندفأ من حنانك.. وتشبعنا من عطائك فننعم بلذة الحياة في كرم خصالك.. لم نسمع لك صوتاً صاخباً ساخطاً عاتباً لكن قلوبنا سمعت رسالتك الأبوية بصدى أقوى من وقع الكلمات على الأذان.. رحلت عنا وكلنا أحزان على فراقك.. رحلت ورحل معك الوقار الأبوي.. نبكيك اليوم وغداً وما بعد الغد ليس فقط حزناً على أجلك المحتوم فكلنا على الدرب سائرون.. وإنما بكاؤنا على ما أعطيتنا بسخاء لم يمهلك الأجل حتى نغدق عليك سخاء أودعتنا إياه للزمن لنجازيك عنه إحساناً وبراً. اللهم اغفر لوالدي وارحمه وعافه واعفو عنه وأكرم نزله.. اللهم أغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس.. أسأل الله أن ينير قبرك ويجعله روضة من رياض الجنة وأن يحشرك مع النبيين والصالحين والصديقين والشهداء.. أسأل الله أن يغفر لك خطاياك ويرزقك لذة النظر إلى وجهه الكريم.. اللهم ارزقه بكل حرف في القرن حلاوة وبكل كلمة كرامة وبكل آية سعادة وبكل سورة سلامة.. اللهم لا تحرمنا أجره ولا تضللنا بعده يا رب العالمين.. - مدير الإدارة الهندسية ببلدية عنيزة