ثمانية وثلاثون مهدداً لأمن الخليج، منها ما هو داخلي ومنها ما هو خارجي، يأتي على رأسها السياسة الأمريكية في المنطقة، فالأمريكان ليس لهم صديق، فشلت إيران في إسقاط صدام فأسقطته أمريكا، وفشلت إيران في احتلال العراق فاحتلته أمريكا وسلمته لها، وفشلت إيران في تصدير ثورة الخميني فصدرتها أمريكا نيابة عنها تحت عنوان «تداول السلطة»، مع أن أطماع إيران في الخليج واضحة، وأن برنامجها النووي حتى لو صدقنا سلميته، فهو يبقى خطراً على الشعوب الخليجية إذا ما تسربت أشعته، فإيران أقل تقنية من روسيا التي واجهت مثل هذا التسرب الإشعاعي في مفاعل «شرنوبل» وفقدت بسببه الكثير من الضحايا. ما كتب أعلاه، ورد مضمونه على لسان الفريق ضاحي خلفان تميم قائد شرطة دبي ألقاها في المؤتمر الوطني والأمن الإقليمي لمجلس التعاون لدول الخليج العربية «رؤية من الداخل» الذي عقد في المنامة في 17-1-2012م، شاهدته فيديو على اليوتيوب كمقطع مسرب من كلمة ألقاها الفريق في المؤتمر. الفريق وفق ما سمعت وشاهدت في ذلك الفيديو أن هناك أيضاً تهديداً يأتي من بعض دول الخليج لأمن الخليج لم يصرح باسمها وإن وصفها بالتغريد خارج السرب. المفارقة ليست في مغادرة السفير الأمريكي للقاعة كما سُرِّب من معلومات، ولكن المفارقة هو أن الفريق ضاحي قد أعلن في بداية كلمته أنه رجل أمن ويتكلم من منظور أمني ولا علاقة له بالسياسة. لكن واقع الحال يقول إن كلام الفريق ضاحي كان أمنياً من منظور سياسي، بدليل أن كل ما بُثَّ من كلمته يتبنى نظرية المؤامرة التي يرفضها بعض السياسيين العرب، فأمريكا من وجهة نظره هي سبب تهديد أمن الخليج، وهي وراء ثورات الربيع العربي للإتيان بأنظمة جديدة تحت عنوان «تداول السلطة»، وأن أمريكا غير صادقة عندما تدعي حمايتها للشعوب وإلا لكانت حمت الشعب الفلسطيني الذي يعاني الاحتلال الإسرائيلي منذ عقود وترفض أمريكا الاعتراف له بدولة. ربما كان للأمريكان دور مفترض ناجم عن تبنِّي مقولة وزير خارجية الرئيس بوش كونداليزا رايس عن «الفوضى الخلاقة» لكنه لا يمكن أن ينسب كل ما جرى من حِراك شعبي في أكثر من دولة عربية للأمريكان، ربما استطاعوا لاحقاً أن يستميلوا حكومات ما بعد الثورات، لكن لا يمكن الجزم بأن الشعوب العربية الثائرة على الاستبداد والقمع والفساد بأنها دُمى تحركها شعارات تصدير الثورة الخمينية، وتداول السلطة الأمريكية. هناك تهديد حقيقي بصدام مسلح محتمل ستطول شظاياه شئنا أم أبينا شواطئ الخليج على ضفتيه، وبتطبيق رؤية الفريق ضاحي على الوضع المتأزم في الخليج نجد أن أمريكا التي عملت لمصلحة إيران حسب وجهة نظر الفريق ضاحي، هي الآن على وشك مواجهة مسلحة مع إيران وفق ما قاله مؤخراً كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، ما لم يكن ما يجري هو مجرد مسرحية هزلية لابتزاز دول الخليج تمارس فيه أمريكا وإيران دورين متضاربين يتنافران في عدد من المواقف ويتجاذبان عندما يتعلق الأمر بأمن الخليج. أتفق مع الفريق ضاحي في كثير مما ورد في كلمته خاصة ما تعلق منها بازدواجية المعايير لدى أمريكا، لكن الخليجيين في هذه المرحلة ليسوا بحاجة إلى مَن يشخِّص الواقع، هم بحاجة إلى مَن يطرح الحلول والبدائل، ولم أجد في رؤية الفريق ضاحي ما يستشرف المستقبل ويقول لأهل الخليج ماذا عليهم أن يفعلوا للخروج بأقل الخسائر مما يوشك أن يقع. علينا أن ننتبه إلى ما قاله الرئيس أوباما مؤخراً في مناسبة كروية أمريكية، من أن إسرائيل لم تقرر مهاجمة إيران بعد، وإن كانت محقة في هواجسها، وأنه يقر بحق إيران في امتلاك التقنية النووية السلمية، وإشارته إلى أنه لا مصلحة لأمريكا في مهاجمة إيران مع وجود الجيش الأمريكي في أفغانستان. هذا الكلام هو عكس ما توقعه كيسنجر من حرب قادمة وشيكة لا يخطئها إلا الأعمى، ويجب ألا يؤدي بدول الخليج إلى التراخي عن وضع خطط متفق عليها لمواجهة كل الاحتمالات، فالأمر جلل، في إهماله خطر، فالمواجهة - إن وقعت - ستقع بين إسرائيل وإيران وكلاهما في عداء مع دول الخليج وإن كان بنسب متفاوتة، ولا بد لتداعياته المتوقعة على أمن الخليج من استعداد خليجي ممنهج ومبرمج يقي بتوفيق الله الخليج وأهله.