شكَّلت منطقة الأحساء أهمية اقتصادية للسلطات المتعاقبة على حكمها عبر التاريخ. نظراً لغناها بالموارد الزراعية والثروة الحيوانية. وحين عادت منطقة الأحساء إلى سيادة الدولة السعودية الثانية في القرن الثالث عشر الهجري تحت حكم الإمام فيصل بن تركي للمرة الثانية بعد عودة الإمام من منفاه بمصر عام 1259ه، أرسل الإمام إليها من جديد نواباً عنه يضبطون ماليتها ويديرون مواردها الزراعية المملوكة للدولة. وقد اختار الإمام لهذه المهمة رجالاً من خيرة رجاله الأكفاء المخلصين، ذوي الخبرة والأمانة، وأولاها الإمام العناية والاهتمام إلى أن وفاه الأجل عام 1282ه، خلال فترة زمنية ذهبية، استقرت فيها الأوضاع السياسية في عموم أراضي الدولة السعودية. وقد حاولت خلال هذه الدراسة المقتضبة استقصاء أسماء هؤلاء الوكلاء في هذه الفترة التاريخية، من خلال المصادر المتاحة، والتنقيب عن معلومات حولهم لتُلقي بعض الضوء على هؤلاء الأعلام. وعثرت خلال بحثي على أربعة وكلاء، وهم حسب ورودهم تاريخياً في صور الوثائق الموجودة لدي: مضحي بن مبارك بن مضحي، ناصر بن علي بن حمدان، صالح بن راشد، فهد بن علي بن مغيصيب. بيت المال: ويُمكن إجمال مهام بيت المال المُوكلة للنوَّاب في ما يلي: 1- إدارة أراضي الدولة وتحصيل ريعها. 2- تحصيل المستحقات المالية المُعتادة عينية ونقدية من زكاة وجهاد. 3- حفظ تركات المتوفين إلى حين ظهور وراث. 4- تنفيذ أوامر الصرف والتحصيل والتوجيهات الصادرة من الإمام. 5- الإنابة عن الإمام في حال النزاع مع بيت المال أمام القضاء الشرعي. 6- مخاطبة الإمام فيما يتعلق بشؤون بيت المال. 7- التنسيق فيما بين النواب. ويُفهم من الوثائق والمراسلات عدم وجود هرم إداري بالمعنى المعروف اليوم، وكل وكيل هو نائب عن الإمام في مجال اختصاصه والمهام الموكلة إليه في بيت المال، لذلك نجد الإمام يوجه خطاباته إلى كل وكيل حسب الاختصاص، فالخطابات المتعلقة بالشؤون الزراعية وأملاك الدولة نجد الإمام يُرسلها إلى وكيليه مضحي بن مبارك وناصر بن حمدان بينما الخطابات المتعلقة بالأوقاف والمساجد والتركات بعثها الإمام إلى وكيله صالح بن راشد. ومن المعلوم أنَّ الأملاك الزراعية تحتاج إلى أشخاص ذوي خبرة في إدارتها، ومجال الأوقاف والمساجد يحتاج إلى أشخاص ذوي دراية بالعلم الشرعي لذلك نجد الإمام بعد وفاة الوكيل صالح بن راشد المعني بشؤون الأوقاف يُرسل مكانه فهد بن مغيصيب من طلبة العلم في الرياض. وحينما يتعلق الأمر بتعميم لجميع الوكلاء يُرسل الإمام فيصل خطاباته إلى جميع الوكلاء دون تحديد اسم بعينه وهو ما سيراه القارئ عند التعريف ببعض الوثائق لاحقاً. الوكلاء: بذل الباحثُ كثيراً من الجهد والوقت في التنقيب عن الوثائق والمعلومات، ونظراً لتقادم العهد عثر الباحث على نزر قليل من المعلومات لا تشفي غليل الباحث النهم، وما لا يُدركُ جُلُّه لا يُتركُ كلُّه، والإمام فيصل اختار وكلاءه من بين رجاله الأمناء المخلصين، وكانوا من أعيان مدينة الرياض وممن ساهم في خدمة الدولة السعودية في زمنهم، وهم كالتالي: 1 - مضحي بن مبارك بن مضحي هو مضحي بن مبارك آل مضحي، من أسرة آل مضحي القديمة في الرياض، ينتمي المترجَم إلى الفرع الذي سكن في حي الصَّفاة قريباً من قصر الحكم في زمن الدولة السعودية الثانية، وأغلب رجال هذا البيت من الفرسان والمحاربين الذين استشهدوا في صفوف أئمة آل سعود. كان المترجَم من المقربين لدى الإمام تركي وابنه فيصل وحفيده عبدالله، شارك في استرداد قصر الرياض عام 1249ه، حُمل مع الإمام فيصل إلى مصر ورافقه في منفاه وعاد معه إلى الوطن عام 1259ه. ظل المترجَم ملازماً للأئمة الثلاثة، منضوياً تحت لوائهم، مشاركاً في معاركهم إلى وفاته مقتولاً عام 1301ه في وقعة روضة أم العصافير حاملاً بيرق الإمام عبدالله، والمترجَم هو والد الشاعر المعروف في الرياض مبارك بن مضحي وأخيه فهد من المحاربين، وحفيدته نورة بنت مبارك أم أولاد الشيخ عبدالرحمن بن محمد آل خضير كاتب الملك عبدالعزيز ورفيقه في معاركه. 2 - ناصر بن علي آل حمدان هو ناصر بن علي بن إبراهيم آل حمدان، وآل حمدان أسرة كبيرة تعود في جذورها إلى بلدة نعام، وتنتشر بيوتها في بلدان نجد وخارجه، في العارض ونعام والمجمعة والقصيم والأحساء ومكة المكرمة. وأبناء عمومة المترجَم الأقربين هم أسرة آل برَيْه موظفي بيت المال في الرياض في عهد الملك عبدالعزيز. المتَرْجَم من رجال القرن الثالث عشر الهجري، وُلد في نصفه الأول وتوفي في نصفه الأخير، معاصر للإمامين تركي بن عبدالله وابنه فيصل ومن رجالهما المخلصين. وهو والد إبراهيم بن ناصر آل حمدان، من أعيان الرياض في زمنه وصاحب وقف العود ومؤسس مسجد الحلة بمدينة الرياض، وهو كوالده معاصر للإمامين ومن رجالهم المخلصين. ومن نسل المترجَم أستاذي البناء في الرياض عبدالعزيز وعبدالرحمن ابني محمد بن إبراهيم بن ناصر آل حمدان، ولهما أبناء وأحفاد يشاركون أبناء الوطن مسيرة التنمية، ومنهم المهندس عبدالرحمن بن عبدالعزيز الحمدان من منسوبي شركة الكهرباء في الرياض. 3 - صالح بن راشد هو صالح بن راشد بن صالح آل عمران، من أسرة آل عمران من أهالي صياح الواقعة جنوب شرق مدينة الرياض. ممن شارك في خطاب المبايعة لخالد بن سعود سنة 1257ه وخطاب المبايعة لعبدالله بن ثنيان آل سعود سنة 1258ه، وبعد عودة الإمام فيصل من مصر عام 1259ه عيَّنه وكيلاً في بيت المال متولياً شؤون المساجد والأوقاف، في الفترة التي أسس فيها الإمام فيصل جامعي الهفوف والمبرَّز وأوقافهما، حيث أمره الإمام فيصل بشراء البيوت والعقارات المحيطة بالمسجدين وتعويض أصحابها لتدخل في مشروع توسعة المسجدين. وللمترجَم ولدين: عبدالعزيز وإبراهيم ولهما عقب. 4 - فهد بن علي آل مغيصيب ينتمي المترجَم إلى أسرة نجدية واسعة الانتشار تعود في جذورها إلى بلدة العيينة، انتقل منها الجد الجامع لفروعها وسكن بلدة ملهم وكثُرت بها ذريته، وانتشرت خارجها في عشيرة سدير وتمير والدرعية ومنفوحة والرياض والحَرِيق وحائل وقطر والكويت. ينتمي المترجم بالتحديد إلى الفرع الذي سكن بلدة الدرعية، حيث ولد ونشأ بها وتعلم على من عاصرهم من مشائخها في زمن الدولة السعودية الأولى. وفي عام 1334ه بعد تخريب الدرعية وقيام الدولة السعودية الثانية على يد الإمام تركي بن عبدالله واتخاذه من الرياض عاصمة لحكمه انتقل المترجَم إلى الرياض وسكن محلة المعيقلِيَّة، واشترى النخل المعروف «أم الهَرَاس» الكائن بمصانع منفوحة، وقويت صلته بالإمام تركي بن عبدالله وابنه الإمام فيصل. والمترجَم من أثرياء الرياض ووجهائه، ومن طلبة العلم والفرسان المحاربين، شارك مع رجال الإمام فيصل في استرداد قصر الحكم بالرياض عام 1349ه، وظل ملازماً للإمام فيصل ومن ضمن رجاله وجنوده المخلصين في فترتي حكمه الأولى والثانية. وفي عام 1280ه وصل إلى الإمام فيصل خبر وفاة وكيله صالح بن راشد فأرسل المترجَم مكانه. توفي المترجَم عام 1286ه بالرياض في السنة التي كتب فيها وصيته بخط يده، موصياً فيها بأوقاف ومن ضمنها مصحفه وسلاحه من سيوف وبنادق للجهاد في سبيل الله، تاركاً زوجتين من أهالي الرياض وثلاثاً من الولد: ابنه محمد من زوجته منيرة بنت عبدالله بن مسلَّم، وابنتان سارة وهيا، وزوجته بنت منصور. وأحفاد المترجَم منهم العاملون في المجال المدني والعسكري والأعمال الخاصة، ومنهم في وقتنا الحاضر الدكتور عبدالله بن عبدالرحمن بن محمد بن فهد آل مغيصيب من منسوبي وزارة التربية والتعليم بمدينة الرياض. المراجع: - جريدة الجزيرة، ورَّاق الجزيرة، الرجال الذين رافقوا الإمام فيصل بن تركي في معتقله بمصر، الكاتب، ع 12162، الأحد15 ذو الحجة 1426ه. - موقع http://www.obaikan.net ، ورواية الأستاذ خالد بن محمد العبيكان. - رواية شفهية، المؤرخ الشيخ عبدالرحمن الرويشد أطال الله بقاءه. - عقد الدرر، إبراهيم بن عيسى، مكتبة النهضة بالرياض، المطبعة العمومية، دمشق، ط1، 1372ه، حوادث سنة 1280ه. - أوقاف مسجدَي الإمام فيصل بن تركي في الأحساء، عبدالله السبيعي، صفحة ذاكرة التاريخ، جريدة الرياض، ع 12021، 29 صفر 1422ه. - (4) وثائق الأرشيف العثماني، وثيقة رقم I.Mes.Muh 2431 ووثيقة رقم I.Mes.Muh 1798 زودني بصورتيهما مشكوراً الدكتور سهيل صابان. - معلومات ووثائق زودني بها مشكوراً الدكتور عبدالله بن عبدالرحمن آل مغيصيب. - بواكير الوثائق والخطوط لبعض الأئمة من آل سعود، راشد العساكر، ط1، 1426ه، درة التاج، الرياض. - وثيقتان أحسائيتان زودني بصورتيهما مشكوراً الأستاذ الباحث عبدالله بن عيسى الذرمان. - وثيقة مكتوبة في الرياض عام 1282ه زودني بها مشكوراً الباحث الأستاذ فيصل بن عبدالمحسن آل باز.