نستأنف اليوم حديثنا الذي بدأناه عن الماء الأبيض وهو العتامة التي تصيب عدسة العين وتضعف النظر. متى يجب إجراء عملية إزالة الماء الأبيض؟ 1- ضعف النظر، أو زيادة الأعراض لدرجة أنها تؤثر على النشاط اليومي للمريض، فعندما تكون كثافة العتامة تعوق نشاط المريض، كأن تعيق المريض عن أداء عمله أو القيادة بسهولة أو القراءة أو مشاهدة التلفزيون أو الطبخ أو التسوق أو المشي في الشارع أو تناول الأدوية. وبناء على الأعراض التي يشعر بها المريض يستطيع مع طبيب العيون أن يقرر موعد إجراء الجراحة . 2- في حالة حدوث مضاعفات في العين مثل الماء الأزرق (ارتفاع ضغط العين). 3- في حالة وجود أمراض في الشبكية أو عصب العين يتطلب فحصها أو علاجها إلى إزالة الماء الأبيض (حيث إن الماء الأبيض يحجب رؤية الشبكية بوضوح). هل يجب ترك الماء الأبيض حتى تنضج ؟ التعتيم الكامل لعدسة العين هو ما يعرف باسم «الكتاركت الناضجة» وانتظار هذه المرحلة معلومة قديمة غير صحيحة طبياً، فالآن ومع الجراحات الحديثة نحن لا ننتظر على الإطلاق هذه المرحلة ولا ينصح بذلك أبداً، بل على العكس كلما أجريت الجراحة مبكراً كلما كان ذلك أفضل. وبعض الناس يعاني الكتاركت في عين واحدة ويتأخر في إزالتها جراحياً لأنه يستطيع أن يرى بالعين الأخرى، ولكن في ذلك خطورة لأن ترك الكتاركت لوقت طويل يجعل العملية أكثر صعوبة وقد يؤدى إلى مضاعفات مثل ارتفاع ضغط العين، أو تحلل الرباط الدائري الذي يثبت الكتاركت في مكانها مما يؤدى إلى سقوطها في قاع العين. ومع ثقافة المجتمع وسهولة التشخيص وسرعة وصول المريض إلى طبيب العيون أدى إلى تلاشي مثل هذه المضاعفات. وسائل العلاج لا يمكن استخدام الأدوية أو قطرات العين أو النظارات الطبية في علاج الكتاركت حيث أن الجراحة هي الوسيلة الوحيدة لإزالتها وزرع عدسة داخل العين. ففي بادئ الأمر، كان الماء الأبيض يعالج بجراحة عادية باستخدام المشرط الجراحي بإزالة العدسة البلورية بأكملها بما فيها من عتامة مع التعويض البصري بالنظارة الطبية السميكة مع ضرورة إغلاق جرح العملية باستعمال الغرز. بعد ذلك تطورت الجراحة لتتم الاستعاضة عن العدسة الأصلية بعدسة صناعية تزرع داخل العين من خلال جرح كبير يصل إلى 8-9 ثم يتم إغلاقه أيضا باستعمال الغرز وكانت تستعمل أيضا نظارات طبية بسيطة بعد الجراحة. أما الأسلوب الأحدث في جراحات الماء الأبيض فهو استخدام الموجات فوق الصوتية لتفتيت وشفط الماء الأبيض من خلال جرح صغير باستخدام ما يسمى بجهاز (الفيكو) مع زرع العدسات القابلة للطي التي تتيح للطبيب الجراح إجراء الجراحة من خلال جرح قد لا يتعدى 1.8 ملليمتر ولا يحتاج إلى أي غرز جراحية. تختلف طرق التخدير تبعاً لتعاون المريض وقد أصبح بالإمكان الآن إجراء العملية باستخدام قطرات التخدير فقط (التخدير السطحي). التوقيت المناسب لإجراء جراحة الماء الأبيض يجب أن يكون هناك شكوى من المريض من عدم وضوح الرؤية بحيث تعوقه عن أداء وظيفته بكفاءةٍ عاليةٍ. مع عدم الانتظار كثيراً أو إهمال المياه البيضاء لكي يحصل المريض على جميع مميزات تقنية الموجات فوق الصوتية يجب أن يكون التدخل الجراحي مبكراً قبل أن تزداد صلابة المياه البيضاء ويتعذر عندها استخدام تقنية الموجات فوق الصوتية وبالتالي حرمان المريض من كل هذه المميزات السابق ذكرها. وغالباً ما يترك الطبيب للمريض حرية تحديد وقت إجراء جراحة المياه البيضاء طالما كانت لا تسبب مشاكل في العين مثل ارتفاع ضغط العين أو بعض المشاكل الأخرى وذلك لأن تطور الماء الأبيض يختلف من شخص إلى أخر وكذلك مقدار الحاجة لإجراء الجراحة حيث قد يسارع بعض المرضى الذين يحتاجون لنظر حاد لطلب الجراحة بمجرد حدوث الماء الأبيض في حين يؤجلها البعض الأخر لأوقات متأخرة، وننصح جميع المرضى بالمتابعة المنتظمة لضمان عدم حدوث مضاعفات من المياه البيضاء وكذلك للاستشارة في اتخاذ التوقيت المناسب لإجراء الجراحة ليتجنب بمشيئة الله العواقب غير المحمودة. خطوات العملية هناك عدة طرق لإزالة العدسة المعتمة لكن أحدثها هو شفط الكتاركت بالموجات فوق الصوتية (الفيكو) لتفتيت العدسة من خلال فتحة جراحية دقيقة تتراوح من 1.2-1.8 ملليمتر ثم شفطها للخارج، وذلك باستعمال قطرات التخدير السطحي بحيث لا يشعر المريض بأي ألم أثناء الجراحة، ثم تزرع عدسة مطوية يتم إدخالها من خلال الجرح الصغير إلى محفظة العدسة البلورية حيث تأخذ شكل وحجم العدسة الطبيعية وتقوم بوظيفتها، وعند هذا الحد تكون العملية قد انتهت دون الحاجة لعمل غرز لإغلاق الجرح. مما يقلل من حدوث استيجماتيزم (انحراف بصري) بعد العملية، وبعد قضاء فترة قصيرة في غرفة الإفاقة، يستطيع المريض أن يذهب لمنزله بمصاحبة أحد أقاربه أو أصدقائه. وتكون الرؤية في اليوم التالي للجراحة عادة ممتازة - جيدة بما فيه الكفاية لقيادة السيارات - أما التحسّن البصري الكامل، يأخذ أسبوعا أو أقل. وهناك تقدّمان رئيسيان مسئولان عن التعافي السريع من الجراحة أولها العدسات التي تزرع داخل العين عقب الجراحة تصْنع الآن منْ مادة الأكريليك التي تسْمح للعدسة بأن تطوى، وثانيها استعمال التخدير السطحي في صورة قطرات العين السطحية الذي قصّر أوقات تعافي المرضى، حيث يكون المريض مستيقظ بالكامل أثناء الجراحة، ولا يحتاج إلى رقعة لتغطية العين، وبالإضافة إلى الراحة، كما أن استعمال التخدير الموضوعي له فائدة أخرى لمرضى ضغط الدم العالي، ومرضى الرئة أو القلب وجلطة المخ، الذين لا يقدرون على اجتياز العمليات بالتخدير العام. مميزات الفيكو لإزالة الماء الأبيض 1- تصغير الجرح من 10 أو 12 ملليمتر في الجراحة العادية إلى 2.8 مليمتر وهناك أجهزة حديثة يصل فيها طول الجرح إلى 1.2 ملليمتر. 2- عدم وجود غرز جراحية. 3- إمكانية استخدام أنواع العدسات الحديثة التي شهدت تطوراً مذهلاً في إمكانياتها مثل الحماية من الأشعة فوق البنفسجية والعدسات متعددة البؤر أو العدسات المتكيفة التي تغني عن استخدام نظارة للقراءة بعد العملية وهذه العدسات لا يمكن استخدامها مع الجراحة العادية. 4- تقليل وقت العملية بحيث تصل إلى 10 دقائق فقط أو أقل في بعض الحالات. 5- إجراء العملية تحت المخدر السطحي باستخدام قطرة مخدرة فقط دون الحاجة إلى حقن إبر حول العين للتخدير الموضعي. 6- قصر فترة النقاهة والعودة إلى ممارسة الحياة الطبيعية بأسرع وقت حيث يتمكن المريض من مزاولة حياته الطبيعية في نفس اليوم والركوع والسجود كما هو الحال في عمليات الليزك. نسبة نجاح عمليات الكتاركت عملية الكتاركت هي أكثر عملية جراحية يتم إجراؤها في الجسم البشرى على الإطلاق (أكثر من عمليات الزائدة الدودية والعمليات الشائعة الأخرى) وعملية الكتاركت لها أعلى نسبة نجاح بين جميع العمليات التي تجرى في الجسم البشري. د. تامر رضوان / استشاري طب وجراحة العيون