لقد سُرر المجتمع المصرفي المحلي بالإصدار السيادي لسندات ال15 مليار ريال الإسلامية. حتى «صناعة المال الإسلامية» هي الأخرى لم تتوانَ في الفترة الماضية من تتبع الإعلام السعودي لمعرفة آخر المستجدات حول أضخم إصدار خليجي مع مطلع هذه السنة. وبالرغم من ابتهاجنا من نهج القيادات المالية في بلادنا بتلمس سبل التمويل الإسلامي, فإننا انصدمنا بمبدأ الشفافية التي تم اتباعه مع أول صكوك سيادية للسعوديين. فمن المتعارف عليه أن «نشرات الإصدار» تساهم في تثقيف المستثمرين والمجتمع البنكي في الوقت نفسه حول الأمور التي تتعلق بهيكلة الصكوك و المخاطر المرتبطه بالاستثمار وكذلك إنارتهم حول الغرض من استخدام الأموال القادمة من هذا الاكتتاب. إلا أن صكوك «الطيران المدني» فضلت توزيع نشرة الإصدار (Offering Circular ) على مستثمرين معينين, ملقية في نفس الوقت غطاء من السرية حول محتوى تفاصيل مذكرة الاكتتاب. وجرت العادة في مثل هذه المشاريع بالتحديد أن يتم استخدام صكوك «الاستصناع» إلا أن المجتمع المصرفي تفاجأ باستخدام هيكل «المرابحة». وهيكل «المرابحة», بحسب العارفين ببواطن الأمور في هيكلة أدوات الدين الإسلامية, قد يعني 1)المرابحة التقليدية 2) المرابحة العكسية 3) التورق التقليدي 4) التورق العكسي. فعلى سبيل المثال صكوك جولدمان ساكس الإمريكية يزعم أنها صكوك مرابحة إلا أن شابا سعوديا اكتشف لاحقا في مذكرة بحثية له أن الهيكلة قائمة على «التورق العكسي». وساهمة هذه «الإنارة» في إثارة جدل لا ينتهي في صناعة المال الإسلامية. وبسبب السرية التي أحاطت تفاصيل الهيكلة, حصل مايمكن أن يقال عنه «اجتهادات» من بعض رموز العمل المصرفي الاسلامي في بلادنا والتي كادت أن تؤثر على تغطية اكتتاب صكوك «الطيران المدني». فلقد تمكن الدكتور سامي السويلم من الاطلاع على مذكرة الاكتتاب, والتي تتعدى صفحاتها في العاده 70 صفحه أو أكثر, وخرج على المجتمع المصرفي بتحذيرات حول وجود محاذير شرعية وائتمانية تدور حول الهيكلة. حيث أشار في تصرحيه لصحيفة الاقتصادية أن «هيئة الطيران المدني» تبيع حقوق الانتفاع من المطار الحالي على المستثمرين كما تشتري منهم سلعا بثمن مؤجل». وبحسب هذا الوصف الذي تم تسريبه فهذا يعني في رأي الشخصي أننا نتحدث عن صكوك إجارة و مرابحة في نفس الوقت. ثم أردف السويلم قائلا بأن حملة الصكوك ليس لهم رهن أو أصول لاسترداد حقوقهم فيما لو حصل تعثر أو نزاع أو عدم الوفاء بالالتزامات لأي سبب من الأسباب. بعدها وصف السويلم الصكوك بأنها «غير موثوقة». فهذا الوصف أعلاه يعنني أننا نتحدث عن الصكوك التي «ترتكز عليها الأصول» أو مايعرف عند أهل الاختصاص ب ( Asset-Based) بمعنى أن حملة الصكوك لا يستطيعون النفاذ إلى هذه الأصول لأنهم وبكل بساطة لايملكونها قانونيا. ومع هذا فإن الصورة تتغير مع مايعرف بالصكوك «المدعومة بالأصول» (Asset-Backed ) والتي سنتحدث عنها في مناسبات أخرى. وهنا يتسأل السويلم بقوله كيف أن حملة السندات الإسلامية لا يملكون بموجب الصكوك أي أصول أو منافع وفي نفس الوقت هم قد اشتروا «حقوق الانتفاع من خدمات و رسوم المطار الحالي» ؟. هذا التساؤل منطقي ولكن من خلال اطلاعي على معظم نشرات الإصدار الخاصة بالصكوك التي تم إصدارها في بلادنا, فإن طبيعة صكوك الإجارة «الخاصة بحق الانتفاع» لا تسمح لحملة السندات بالنفاذ إلى الأصول في حالة التعثر. فنحن هنا لا نتحدث عن الإجارة «المنتهية بالتمليك» التي تعطي مثل هذا الحق على سبيل المثال. وبعد أن ننتهي من « الاجتهادات المتعلقة بالهيكلة» والتي نجمت من جراء «السرية» التي اتبعت مع أول اصدار سيادي للسعوديين, ندخل في « الاجتهادات المتعلقة بتداول الدين» وهو ما تحرمه الشريعة. فبحسب المصادر المصرفية القريبة من لاحم الناصر فإن صكوك «الطيران المدني» ينتظر أن يتم تسجيلها في «تداول». فهو يحذر من تداول هذه الصكوك نظرا لأنها قائمه, والحديث له, على «الدين». مع احترامي للذين يؤمنون بوجهة النظر هذه حول التحريم «الفوري» و «المستعجل» لتداول صكوك المرابحة من دون التثبت من بعض التفاصيل, فإن هناك مخارج شرعية يتم بموجبها إباحة تداول صكوك المرابحة. فعلى سبيل المثال من الجائز شرعا تداول صكوك المرابحة بقيمتها الإسمية فقط (شريطة عدم إدراجها). أما المخرج الشرعي الثاني فإنه يتمحور حول «محفظة» الصكوك التي قام عليها الإصدار. بمعنى أنه يجوز تداول الصكوك في حالة كانت أصول المرابحة تشكل نسبة «قليلة» من النسبة الإجمالية للأصول التي ارتكزت عليها عملية الإصدار. وفي اعتقادي الشخصي المتواضع فإن صكوك «الطيران المدني» يبدو أنها قد مالت إلى المخرج الشرعي الثاني. فما يمكننا أن نستخلصه مع تجربتنا «السيادية» الأولى مع صناعة المال الإسلامية هي أن الجوانب «السرية» التي تم اتباعها مع هذا الإصدار التاريخي لنا قد ساهم في خلق اجتهادات «مستعجلة» من مجتمع «صيرفتنا الإسلامي»حول الجوانب الشرعية لهذه السندات. ومن هذه الزاوية ولأجل إزالة أكثر ما يقال عنه «الغموض الشرعي» حول صكوكنا السيادية الأولى فإني على استعداد لتقديم قراءة تحليلية متعمقة لهيكلة صكوك «الطيران المدني». فعلى حملة «صكوكنا السيادية», ولا سيما أولئك الذين يؤمنون بمنهجية موقع «ويكيليكس», ألا يترددوا في إرسال «نشرة الإصدار» والتي سينتفع منها «خلق كثير» من المصرفيين و طلبة العلم. فهذه سنداتنا الإسلامية التي تحمل إسم بلدنا ونملك الحق في معرفة تفاصيل هيكلتها. (*) متخصص في هيكلة الصكوك وخبير مالية إسلامية لمجموعة «ادكوم آكادمي» المصرفية في الولاياتالمتحدة الأمريكية