دخل القاعة ذات الإضاءة الخافتة..وهو يمني نفسه بمشاهدة هذا الفيلم الذي تحاكى به الجميع..كانت القاعة مكتظة بالنظارة.. انصرف كل منهم إلى حوارات هادئة حتى يبدأ العرض.. أطفئت الأنوار..ظهر الضوء الساطع على شاشة العرض.. استمر الضوء ساطعاً.. بلا صور.. ولا شخوص.. لا يسمع حواراً.. ولا صوتاً للموسيقى.. نظر حوله في دهشة..كانت العيون معلقة بالشاشة.. لا يطرف لها جفن.. فرك عينه.. وأعاد التحديق.. لا شيء.. فكر أن يسأل من حوله.... لكن استغراقهم الشديد فيما يرونه.. منعه من ذلك.. سارع بالخروج ما أن أطفئت الأنوار.. التقطت أذناه حوارات تتحدث عن روعة الحبكة..وبراعة الممثلين.. ورؤية المخرج.. اقترب من دائرة حوار اتخذت من أحد الأركان مقراً..وقرر أن يشاركهم الإعجاب بهذا العمل الفريد. الحافلة صعد مسرعا إلى الحافلة النظيفة حين توقفت في المحطة تماما.. وجد مقعدا خالياً.. سارع بالجلوس غير مصدق... انطلق السائق عبر الطرقات المزدانة بالأشجار الباسقة... وزهور متعددة الألوان تفرش بساطا من البهجة يراه عبر النافذة... لاحظ أن ملابس كل من حوله تبدو عتيقة الطراز.. طرابيش حمراء على رؤوس الرجال.. وقبعات ملونة على رؤوس النساء... أنصت لراكب يجلس أمامه وهو يشدو بصوت عذب بأبيات قصيدة جميلة أخذته إلى عالم من النشوة الفائقة.. لمح مندهشاً شاباً يهب واقفاً ليتنازل عن مقعده لأول امرأة تصعد للحافلة.. اقترب منه المحصل.. سأله بأدب عن بطاقته.. سأله متردداً عن ثمنها.. أجاب المحصل.. خمسة مليمات.. ملأته الدهشة.. أخرج حافظة النقود من جيب السترة.. ودفع للمحصل أصغر ورقة مالية بحوزته.. كانت من فئة المائة جنيه.. حدق المحصل طويلا في الورقة.. ثم في صاحبها... ثم أطلق صافرة طويلة.. توقفت لها الحافلة.. ثم طلب منه أن يغادر الحافلة.. وهو يتمتم... هذا ليس مكانك... وحافلتنا لن تأخذك إلى وجهتك أبداً.. فلم يملك سوى... أن يطيع.