كشف تقرير استقصائي قدمه برنامج «60 دقيقة»، الذي تبثه قناة سي بي إسCBS الأمريكية، أن الكاتب غريغ مورتنسون كذب في كتاب مذكراته «ثلاثة أكواب من الشاي» (349 صفحة) عن المدارس التي ادعى أنه بناها في باكستان وأفغانستان، وأنه اختلق الكثير من أحداث مذكراته التي نشرها عام 1994. وهنا موجز لحكاية الكتاب بحسب الكتاب: غريغ مورتنسون مواطن أمريكي من ولاية مونتانا، يهوى الطبيعة وتسلّق الجبال، وهو شهير في هذه الرياضة، وكان يمكنه جمع الملايين من هذه الشهرة لو أراد كما يزعم، إلا أنه ترك كل هذا، والتفت إلى بناء مدرسة في أقصي شمال باكستان. وسرُّ معرفته بباكستان أنه تخلّف وضاع عام 1993 عن مجموعة رياضية، كانت تحاول تسلق جبل «K2»، ثاني أعلى قمة في العالم، وكاد يموت جوعاً، ولكن أنقذه سكان معدمون، يسكنون قرية اسمها كورف، كائنة على جرف منحدر جليدي ضخم، بمنطقة بالتيستان. بعد أن تعافي مورتنسون قطع وعداً للقرويين بتشييد مدرسة بقريتهم، وقامت أُمُّه بجمع التبرعات من المدرسة التي تعمل بها في ولاية ويسكنسين الأمريكية. وكما جاء في الكتاب باع مورتنسون كل ما يملكه، وعاش في سيارته، حتى يوفّر الأموال لتنفيذ المشروع. وفي النهاية جاءته عشرة آلاف دولار من محسن ثري؛ ما ساعده على تأسيس «معهد آسيا الوسطى»، وهو منظمة غير حكومية وغير ربحية، تهدف إلى تشييد المدارس في باكستان وأفغانستان. ولم يسلم مورتنسون في البداية -كما يدعي - من هجوم رجال الدين الأصوليين عليه، الذين أطلقوا الفتاوى ضده. وبعد ثلاث سنوات من الجد والعمل المتواصل أنشأ مورتنسون مدرسته الابتدائية الأولى، وبعدها بثلاثة أشهر شيّد ثلاث مدارس أخرى بمساعدة الأهالي في القرية. فقد أدرك مورتنسون - كما يزعم - أن تنمية حياة الناس في مثل تلك المناطق البعيدة تعتمد على تعليم الفتيات، وأن الوسيلة المثلى لمواجهة التعليم الديني المتطرف هو إنشاء مدارس حديثة. كانت المعجزة - بحسب الكتاب - أن يقوم مورتنسون ببناء 170 مدرسة في شمال باكستان وأفغانستان، يتعلم فيها آلاف الطلاب والطالبات تعليماً حديثاً. انتهت الحكاية كما رواها مورتنسون في كتابه. ولكن كشف تقرير استقصائي مصور مؤخرا في برنامج «60 دقيقة» الأمريكي الشهير كذب الكثير من ادعاءات مورتنسون في مذكراته الأكثر مبيعاً «ثلاثة فناجين من الشاي»، الذي حقق شهرة عالمية للمؤلف، وتُرجم إلى 39 لغة، ومكث في قائمة البست سيلر الشهيرة لصحيفة نيويورك تايمز لمدة ثلاث سنوات. ومن المعروف أن برنامج «60 دقيقة» تبثه شبكة سي بي إس CBS منذ عام 1968، ويقدم تحقيقات استقصائية مصوَّرة كل يوم أحد، ويصنف بأنه سادس أهم برنامج إخباري أمريكي في تاريخ التلفزة الأمريكية، وحصل حتى سبتمبر 2011 على 95 جائزة إيمي للتفوق الفني للمسلسلات والبرامج التلفزيونية المختلفة، ومن المعروف أن جائزة إيمي هي المقابل التلفزيوني لجائزة أوسكار السينمائية. وقد أشار تقرير برنامج «60 دقيقة» إلى أن مورتنسون لم يزر مدينة كورف إلا بعد عام من محاولته تسلق جبل K2، وأن معظم المدارس التي زعم أنه ساعد في بنائها لا تعمل، وتحولت إلى مستودعات للحبوب والعلف أو حظائر للماشية بسبب إهمال وعدم متابعة مورتنسون، كما كشف البرنامج أنه أنفق الكثير من التبرعات لمعهد آسيا الوسطى الخيري للربح الشخصي والسفر للترويج لكتابه ومحاضراته بواسطة طائرات خاصة مكلفة. وكان الكاتب جون كراكاور - وهو مناصر مالي سابق ل «معهد آسيا الوسطى» - هو أول من كشف وجود كذب في الكتاب، وقام بالتالي بكتابة مقال على موقعه الشخصي على النت بعنوان «ثلاثة أكواب من الخداع»، ومن ثم قام برنامج «60 دقيقة» بالتحقيق بعد لقاء مع كراكاور الذي شرح أنه واجه مورتنسون بتلك الأمور المريبة وإهداره الموارد المالية للمعهد على نفقاته الشخصية والدعاية لنفسه وكتابه، وتحداه أن يحاوره في مناظره عامة، ولكن مورتنسون رفض تماماً تلك الفكرة. كما رُفعت دعوى قضائية جماعية مؤخراً ضد مورتنسون من قِبل عدة أشخاص لوضع جميع عائدات المؤلف من مشتريات كتاب «ثلاثة أكواب من الشاي» في حساب وقفي ليستخدم لأغراض إنسانية. وأشار تقرير إلى أن مجموع عائدات المؤلف من مبيعات الكتاب حتى الآن تزيد على 5 ملايين دولار. دار فايكينغ التي نشرت «ثلاثة فناجين من الشاي» قالت في بيان بعد بث برنامج «60 دقيقة» إنها تحترم سمعة ومهنية البرنامج العريق، وستتعامل مع نتائج تحرياته بمهنية، وستراجع بدقة جميع أحداث الكتاب ومحتوياته مع المؤلف غريغ مورتنسون. وكان البيان إشارة قوية إلى أن دار فايكنغ - وهي دار فرعية لدار بنغوين الكبرى - لم تعد مقتنعة من دقة كتاب السيد مورتنسون، وتأتي سرعة تجاوبها خوفاً من صدور حكم ضدها بالخداع كما حصل مع دار راندوم هاوس الكبرى التي نشرت مذكرات للكاتب جيمس فري بعنوان «مليون قطعة صغيرة»، ثم ثبت وجود كذب واختلاق كبير في وقائع الكتاب بصورة فجة؛ فأمرت المحكمة بتعويض كل مشتر وإعادة قيمة الكتاب له أو لها مع وضع ملاحظة واضحة مستقبلاً في أول صفحة تشير إلى أن كتاب فري يحتوي على أحداث روائية خيالية Fiction.