توماس أديسون وستيف جوبز اسمان غيرا العالم، وأدخلاه فعلاً مرحلة تاريخية جديدة. الأول اخترع المصباح الكهربائي فأضاء الدنيا، وألغى عملياً الليل، وأصبح النور يغلف كوكب الأرض. أما ستيف جوبز فقد كان واحداً من اثنين أسسا شركة (أبل) للكمبيوتر، واخترع (الآي بود) و(الآي فون) و(الآي باد) ، فأدخل الكمبيوتر عمليا إلى كل تفاصيل حياة الإنسان، مؤسساً لمرحلة جديدة غيرت، وربما تغير أكثر حياة الإنسان على هذه الأرض. هب أن ستيف جوبز نشأ وترعرع في سوريا حيث ولد أبوه الطبيعي، أتراه سيُحقق كل هذا التاريخ، ويُصبح بهذا القدر من الشهرة، وينال كل هذا المجد الذي سيجعله واحداً من أهم من عرفهم عصرنا؟.. لا أعتقد أن أحداً سيختلف معي على أنه لن يكون كما كان ستيف جوبز الأمريكي؛ أي أن الذي صنع عظمة الرجل هو مجتمعه الذي أتاح له أن يحقق طموحاته، وطموحات الإنسان على وجه البسيطة، وينتقل على يديه من مرحلة حضارية إلى مرحلة حضارية أخرى. هذا المجتمع الذي أعطى للحضارة المعاصرة والإنسان المعاصر أهم منجزاتها، لا يمكن إلا أن يكون مجتمعاً عظيماً، فهل يراه الإنسان العربي كذلك، أم أنه يراه مجتمعاً فاسداً أخلاقياً، ظالماً، استعمارياً، كل همه التآمر على الإنسان المسلم، والبلدان المسلمة، وإبقائهم متخلفين، ليتسنى للأمريكي أن ينهب ثرواتهم ويخنق حضارتهم ويقف حائلاً بينهم وبين استعادة مجدهم التليد؛ فحضارة الغرب - كما يظنون - لن تقوم لها قائمة فيما لو انتفض الإنسان المسلم، وأقام حضارته التي ستكون بالضرورة على أنقاض حضارة الغرب وأمريكا على وجه الخصوص، ولأنهم يدركون ذلك حق المدركة لا بد وأن يُبقى المارد العربي المسلم محبوساً في قمقم التخلف، ليبقى في المقابل الإنسان الغربي متفوقاً؛ أما لو قام وانتفض فقل على الغرب السلام؛ أي أن تخلف الإنسان العربي المسلم يعني تفوق الإنسان الغربي، وتخلف الإنسان الغربي يعني تحضر الإنسان العربي المسلم. ولو سألت واحداً ممن يُرددون هذه المعلبات الثقافية الفارغة: لماذا يخاف الغرب يقظتكم ولا يخاف من دول الشرق الأقصى مثلاً، والصين واليابان وكوريا هي بالفعل تسعى لأن ترث الحضارة الغربية، وكل الدلائل تؤكد أنهم على وشك أن يحققوا هذا الإنجاز، لما وجد جواباً؛ فهو يُردد ما أُلقي في أذنيه، ولم يجرب يوماً أن يُشغل ذهنه ويتفحص هذه القناعات، أو يقيسها بمقياس العقل ليتأكد من صحتها. وأنا على يقين أن واحدة من عللنا الثقافية التي جعلتنا في قاع التخلف هو هذا الوهم الكاذب بالتفوق، وأن هناك من (يتآمر) علينا، لنبقى نحن في قاع التخلف، ويتقدم الآخرون. ومثل هذه القناعات، أو الأوهام، هي التي خلقت ما يسمى بخرافة (التغريب)، التي لا يمل الصحويون، وبالذات الحركيون منهم، من ترديدها، وعندما تسأل: طيب ما هو التغريب الذي تحذرون منه؟ لما وجدت لديهم جوابا؛ فهو مصطلح (خرافي)، هلامي، لا يختلف كثيراً عن الغول الذي يخافه العرب، وترتعد فرائصهم عند ذكره، ولا يعرف أحدٌ منهم على وجه التحديد ما هو. وختاماً أقول: لن نتخلص من تخلفنا، ويكون لنا مكان مرموق تحت الشمس، ما لم نعيد صياغة بعض قناعاتنا التي ورثناها، وقبلناها كحقائق، وهي لا تعدو أن تكون محض أوهام لا تمت للحقيقة بصلة، ومن هذه القناعات أن ثمة من يتآمر علينا كي نبقى متخلفين، بينما تخلفنا نابع من ذاتنا الثقافية بمعناها الواسع، ولا علاقة للآخر به؛ ولو كانوا سيخافون أحداً لخافوا على حضارتهم وتفوقهم من دول الشرق الأقصى التي هي بالفعل على وشك أن تسحب البساط من تحت أرجلهم، وليس نحن. إلى اللقاء.