تعودنا أن نقول «شر البلية ما يضحك» عندما نرى مشهداً محزناً و مغضِباً في ذات الوقت إلى الدرجة التي قد تدفعنا إلى الضحك ليس بسبب طرافة المشهد وإنما لانعدام المنطق في سلوك من نراهم أو ما نراه في المشهد. وخلال الأيام القليلة الماضية وقفتُ على مشهدين لا يملك المرء أمامهما إلا أن يضحك ثم يستحي من نفسه ويعتذر لها بأن «شر البلية ما يضحك!» . المشهد الأول هو من بلد لم تعد تستهوينا متابعة أحداثه إلا ما نقع عليه بالصدفة.. ليس لأننا لا نحب ذلك البلد أو لا نبالي بما يحدث فيه وإنما لأن أحداثه المأساوية أصبحت أحداثاً يومية متكررة لا تغري بالمتابعة حتى من أكثر المتخصصين شغفاً في معرفة ما يجري. هو أحد البلدان المنسية والمحذوفة من الخارطة تماماً.. فكل المآسي التي تقع على أرضه من قتل وجوع وأمراض فتاكة وأمية وجهل.. كلها صارت لا تهم أحداً، فالعالم مشغولٌ بمصالحه وبما يحدث في مناطق الصراع على هذه المصالح. لكن العجيب هو تلك البلادة التي أصابت الطبقة السياسية في ذلك البلد إلى الدرجة التي أعمتهم عن رؤية مصائب بلدهم ونكباته ولم يعد لهم همٌ سوى الصراع على السلطة!! وأي سلطة..!؟ إنها سلطة الفتات.. فتات البؤس والعوز والتشرذم وكل ألوان الشقاء الإنساني الذي تعجز أقلام ديكنز وهوجو وديستويفسكي وكل عباقرة كلاسيكيات الأدب العالمي عن تصويره. إنني أتحدث عن المضاربة العنيفة الذي وقعت بالأيدي وبالعصيان بين «أصحاب السعادة» أعضاء البرلمان الصومالي بسبب خلافات سياسية بينهم! أنت تعجب حين ترى هؤلاء الأشقياء يتبادلون اللكمات في المبنى القديم الرث الذي يحتله برلمانهم.. فلا تدري أأنت أمام مسرحية هزلية على غرار مسرحية «مدرسة المشاغبين» أم أمام مسلسل فكاهي مثل «طاش ما طاش» أم أنت أمام لقطة من لقطات «الكمرة الخفية».. لكن الحقيقة المرة هي أنك في واقع الأمر تشاهد واقعة حقيقية أبطالها سياسيو بلد ممزق لم يعد له علاقة بالعالم إلا ما نسمعه عن أخبار القراصنة الذين يجوبون البحار بحثاً عن الغنائم بعد أن تعطلت آلة الإنتاج والعمل في بلدهم بسبب الحروب الأهلية المزمنة!! أما المشهد الثاني فأبطاله هم «الأخوة الأعداء» في غزة والضفة أو ما كان الإعلام العربي يطلق عليه سابقاً اسم «فلسطين السليبة».. فعلى الرغم من أن فلسطين لازالت سليبة والمستوطنون الصهاينة لازالوا يتمددون ويصادرون المزيد من أراضيها فإن «الأخوة الأعداء» مشغولون عن ذلك كله بخلافاتهم وآخرها هو خلافهم حول الوساطة بين الحكومة السورية ومعارضيها ومدى أهلية هذا الطرف الفلسطيني أو ذاك للقيام بالوساطة التي قيل إن الجامعة العربية طلبتها من حماس، وكذلك خلافهم حول دخول وفد من الضفة إلى القطاع وتبادل الاتهامات حول ما جرى وطلب كل طرف من الآخر الاعتذار في حين أن جهود المصالحة السرابية بين ساسة الضفة وساسة القطاع تظل متعثرة. يا للشقاء.. ويا لضآلة الغنيمة التي يريد كل طرف من أطراف الساحتين الفلسطينية والصومالية أن يظفر بها غير عابئين بعذابات مواطنيهم. إنه بريق السلطة حتى وإن كانت مجرد فتات.