أنا رجل جاوزت الأربعين من عمري أحمل مؤهلاً وأدير مؤسسة خاصة مشهورة، مشكلتي أخي خالد أنني تزوجت من إحدى قريباتي وهي إنسانة شرسة الطباع سليطة اللسان تفجرُ في الخصومة لا تتورّع عن السب والشتم، وقد بذلت جهدي في استصلاح الأمور وتهذيب أخلاقها بالترغيب والتهديد ولكنها لم ترعوِ وأصرّت على سلوكها، وزادت عليه بكثرة الهجر والذهاب إلى أهلها وقد رزقت خلال فترة الزواج بثلاثة من الولد أكبرهم جاوز العشر سنوات، وفي آخر خلاف بيننا ذهبت إلى بيت أهلها ولم تعد وتركت عندي الابن الأكبر وأصرّت على الانفصال وحاولت بكل ما أملك من حيلة استعادتها مرة أخرى, لكنها تمسكت بمطلبها, ولم أجد مفراً من إجابتها إليه فطلقتها والحقيقة أنني عشت بعد الطلاق ثنائية شعورية سعادة بزوال مسبب للقلق والنكد وحزن لابتعادي عن أولادي، ثم ظهر في حياتي حدث مهم حيث ذكرت لي إحدى الفتيات وهي تصغرني بعشر سنوات وتحدثت مع والدها وتمكّنت من التواصل معها ووجدتها لطيفة الروح عذبة المنطق ولسان حالها ومقالها بأنني سوف أنسى معها كل متاعبي وهمومي، ثم وقعت المفاجأة وفي خلال استعدادي للزوج أتاني أحد أقربائي الثقات وذكر لي أنّ زوجتي الأولى تود العودة وقد وعدت بالتغيير وأنا الآن في حيرة بالغة فبماذا تنصحني؟ ولك سائلي الفاضل الرد: لاعتب عليك ولا لوم عندما تستوطنك مشاعر الحيرة ويضرب التردد بأطنابه في أعماقك، لأن القرار مصيري وأنت الآن بين أملين أمل الحياة الجديدة وطي صفحة الحرمان والألم مع خطيبتك وأمل التمام الشمل وتحسن الأوضاع، قبل الاسترسال وتحليل مشكلتك أذكرك بأنك من سيتخذ القرار ولست سوى منبه إلى بعض الأمور وما أروع أن يتخذ الإنسان قراراته بتروٍّ وعقل وتأمُّل وحساب للمكاسب والخسائر ثم يتبع هذا باستخارة. أيها العزيز إنّ آمالك وأحلامك التي بنيتها للزواج من الثانية احتمالاتها مفتوحة ولو كان ترجيحك أن الأقرب هو الانسجام لأنك حالياً أكثر نضجاً وطليقتك إنْ كان وصفك دقيقاً لها فهي من القلة من النساء اللواتي يعادين الجميع ويجنين على أنفسهن، ولكن أعود وأذكر بأن لا ثمة مؤكدات لهذا الاحتمال، فكل البشر يزعم أنه الأفضل ولا أحد من البشر إلاّ ويظهر نفسه بمظهر المثالي. والدعاوى ما لم يقيموا عليها بيّنات أصحابها أدعياء وأنت تحتاج لاستبانة الأمر واستيضاح الحقيقة وطريقك إلى هذا إلى التجربة والاختبار وقد يصدق هذا الأمل أو يكذب، إذن فهو حلم وأمل معلّق لن يتضح إلاّ بعد أن تمحصه الليالي، ومع هذا اختيار الزواج ربما تزورك وخزات ضمير ولحظات ندم لافتقادك صغارك وإحساسك بالذنب تجاههم, فهل لديك استعداد لتجاوز تلك المشاعر ومجالدتها؟ وأول ما ينبغي لك أن تتأمّل فيه جيداً وتتيقّن منه قبل اتخاذ أي قرار هو: هل ميلك لخطيبتك ميل عقلي وقلبي متزن، أم أنها عاطفة عابرة وحاجة مكلوم ونفس جريحة وقلب خال فانحزت لأول اختيار! وبالنسبة للاختيار الثاني فهناك عائق كبير وهو الذكريات المريرة التي لا تزال عالقة في وجدانك وهي تعتلج في روحك وتمزّق كبدك ولا تريد أن تتجدّد الآلام وتتكرر التجربة التعيسة والمعاناة القديمة معها، وإن كنت أعتقد أنّ الأمر لن يكون بالمستوى المخيف الذي كانت عليه، فطلب طليقتك للعودة ربما كان إرهاصاً لتغير متوقع ولكن هل هو بنسبة مرضية لك أم لا؟ ما أراه أيها العزيز أنّ أملين يتراقصان أمامك وكلهما مغلف وعنصر المفاجأة فيهما كبير, ونحن لا نملك كشف الحجب ورؤية المستقبل ولا نملك هنا إلاّ المزيد من دراسة الواقع ومحاولة استقراء المستقبل على ضوء ما يتاح له من دلائل وشواهد وعلامات. ونصيحتي لك: إذا كنت مستعداً لقبول (المفضول) وأعني به إرجاع طليقتك وقد رجّحه عندك (قيمة) جمع الشمل وتواجد صغارك بين يديك واستقرارهما في كنف والديهما وكنت مستعداً متسلحاً بالصبر لما يمكن أن يواجهك من زوجتك فعد إليها, وإن كانت جروحك لم تبرأ بعد وقلبك منهك وقدرتك على التحمل نفدت فتوكل على الله وتزوج ممن نبض القلب لها ولن يضيع الله أولادك فربما كان حالهم في ظل ابتعادك عن والدتهم خيراً لهم, سدّدك العزيز وكتب الخير لك شعاع: يسخر من الجروح كل من لا يعرف الألم!