أقرأ بين حين وآخر وأسمع كذلك تذمُّر الطلاب من أسئلة امتحان أو قبول في جهة ما، وبعضهم يكتب في المواقع من عتب على بعض المعلمين أو الدكاترة، وآخر ما قرأت عتب بعض الطلاب على دكتور ذكروا في عتبهم بأنهم لن يزاحموا الدكتور في كرسيه ... الخ. فتأثرت بل وتألّمت .. لماذا؟ لأننا في هذه العصر الذي تقدمت فيه التكنولوجيا وتواصل الشرق بالغرب، ولا زال لدينا من همّه تعقيد أسئلة الطلاب والوقوف حجر عثرة أمام مستقبلهم، وفي هذا دلالة على عُقد نفسية وأمراض وراثية وحياة مضطربة تؤثر على الأستاذ أو الدكتور، فيخيّل إليه أنَّ هؤلاء الطلاب المساكين ينافسونه على كرسِّيه ويخططون لإزالته ومع كل الأسف وأقولها بمرارة أنَّ غالب المعلمين والدكاترة المعقدين هم الذين ينتسبون إلى العلم الشرعي ويظنهم السذّج بأنهم قدوة ومثاليون، ولو فتّش على مرّ السنين لما وجد أنَّ معلماً سمحاً صاحب خلق يعقِّد طلابه إنما يعقِّدهم المتصنّعون، ولهذا فإننا ولا زلنا نقدّر الأستاذ فلاناً الذي درّسنا في الابتدائي، وإذا ذكرناه بخير ذكره كل الناس بخير، وكذلك في المعهد العلمي إذا ذكرنا أستاذاً سمحاً ذكره السابقون كلهم بخير وكذلك الجامعة، وما ذكر معلم بتشدده في الامتحان وفي تعامله مع طلابه إلاَّ وذمّه السابقون هذا وهو لم يدرسهم ولكنهم يعلمون سيرته ونفسيته المعقّدة. والأستاذ المتمكّن هو الذي يسهل الأسئلة ومن خلالها يعرف مستوى الطلاب، أمَّا المعقّد فإنه يعتمد على الحفظ وهو نفسه لا يعرف الإجابة لو جلس على الكرسي، وكذلك لا يمكن أن يعرف مستوى الطلاب لأنه عاجز عن الوصول إلى عقولهم. ولهذا يروى عن أحد العلماء المتقدمين أنه يقول إنني إذا تكلمت فإنني أعجز السامعين، فقابلته امرأة عجوز في السوق فقالت: أنت صاحب المقولة؟ قال: نعم قالت: لو كنت قادراً ومتمكناً من علمك لفهم الناس ما تقول، فخجل وضحك الناس. ومنذ سنوات بلغني عن مدرس من جماعتنا عُرف بأنه معقّد نفسياً إذا غضب ربما أكل أصابعه، طلب من طلابه أن يكتبوا آيات القرآن الكريم بالرسم والتشكيل الذي في المصحف العثماني فما استطاعوا، ولو والله أعطوه أسئلته لما والله أجاب عليها. فهو متكلّف. فالمرجو من المنتسب إلى الدين والعلم الشرعي أن يكون أكثر تفهُّماً وأكثر سماحة وأبعد عن حب الانتقام. وأن تقوم بهذه الأعمال لجان عُرفت بسعة أفقها وسلامة صدورها وصحة عقولها من كل العُقد والرواسب. هذا والله من وراء القصد.