التفكير في الحصول على سكن يلجأ إليه أفراد الأسرة ويستظلون به في أمن وأمان، وثقة تزرعها ملكية هذا السكن في نفوسهم، هاجس يطرق أبواب قلوب أكثر المواطنين بيد من حديد لا تكل ولا تمل، ولا تهدأ قليلاً لتمنح قلب المواطن المعنّى فرصة ينام في أحضانها، بعيداً عن هم السكن ومشاكله. هذا الهاجس يفاجئ تلك القلوب في كل مساء يأوي فيه المواطن إلى سكنه، ومع كل صباح يغادره إلى مقر عمله أو إلى أي شأن من شؤون حياته، ولا سيما إن كان ممن يقتطعون جزءا ًكبيراً من رواتبهم لأجار هذا السكن، في وقت صعد فيه الأجار إلى قمة هرم الغلاء، وأصر على البقاء في برجه العاجي، ووضع أصابعه في أذنيه لكي لا يسمع نداء المواطن وطلبه، فكان بعيداً عن واقعه ومستوى معيشته، وزاحم ضروريات الحياة، وسبقها للوصول إلى ما يبقى في جيب المواطن من راتب وظيفته المحدود. إنه حمل ثقيل، وشبح يتراءى للمواطن ليكدر عليه صفو حياته، بل ليقضي على طموحه وأمله في توفير قيمة أرض هي الأخرى تسابق أجرة السكن في الصعود إلى عنان سماء الغلاء الفاحش الذي افتعله الجشع والطمع. وقد بذلت الدولة -مشكورة- عدة محاولات لحل هذه المشكلة، التي ضاقت واستحكمت حلقاتها في السنوات الأخيرة، حتى ظن البعض أنها لم ولن تفرج. نعم: إنها صعبة وتحتاج إلى حلول وتكاتف بين المؤسسات الحكومية ذات العلاقة، وتعاون وتضحية من القطاع الخاص ليفيد ويستفيد. في هذه الضائقة، ومن بين سحب اليأس المتراكمة في أجواء المشكلة انفرجت فتحة في الأفق، سطعت منها شمس الأمل، لتمتد أشعتها إلى قلب كل مواطن طال انتظاره ونفد صبره، وذلك حينما وجه خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- ببناء خمسمائة ألف وحدة سكنية، وتخصيص وزارة خاصة للإسكان، ودعمها مادياً ومعنوياً، ومنحها من الصلاحيات ما يساعدها على أداء مهمتها. والمشاريع الهائلة التي تحت الإنشاء المتوزعة في مدن المملكة ومحافظاتها للمؤسسات الحكومية وغيرها كصندوق التنمية العقاري ومصلحة معاشات التقاعد والتأمينات الاجتماعية والجامعات وجمعيات الإسكان الخيرية والمشاريع السكنية التجارية الخاصة، لها أثر ملموس وخطوات أولى على أرض الحلول المناسبة للمشكلة، سيلمسه المواطن بعد انتهاء هذه المشاريع، ولكنها حلول لا تصل إلى طموح وآمال حكومتنا الرشيدة، ومواطنيها، التي تتطلع إلى تهيئة السكن المناسب لكل مواطن، والتي وجه بها خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- معالي وزير الإسكان الدكتور شويش بن سعود الضويحي الذي يحرص كل الحرص ويبذل جهده مع جهود زملائه في الوزارة في سبيل تحقيق طموحات المواطنين. لذا بقيت أقلام الكتاب وآمال المواطنين ومحاولات المسؤولين، تتلمس الحلول المناسبة لهذه الأزمة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: ما نشرته جريدة الجزيرة الغراء في عددها 14313 بتاريخ 11-1-1433ه بعنوان «مقترحات من شباب الأعمال لحل أزمة السكن ودعم المشاريع الصغيرة» في أثناء لقائهم صاحب السمو الملكي الأمير منصور بن متعب بن عبدالعزيز وزير الشؤون البلدية والقروية، الذي أبدى اهتمامه وتقديره لمقترحات الشباب ووجهات نظرهم التي كان من أهمها: «أن تقوم الوزارة بتطوير مخططات لإسكان الشباب متوسطي الدخل على سبيل المثال في منطقة شمال الرياض بسعر يتراوح من 100 إلى 150 ريال للمتر، ورغم حرص سمو الأمير ورغبته الأكيدة والواضحة في حل أزمة السكن، ورغم حرص شباب الأعمال، إلا أن سؤالاً ملحاً يطرح نفسه: أين هذه الأراضي بهذا السعر؟!، إذا كانت قيمة المتر في شمال مدينة الرياض بعد «ببّان» و»سلطانة» تقدر بحوالي ستمائة ريال، وأن جميع الأراضي مملوكة لأفراد بصكوك شرعية.. ومنها ما كتبه الأستاذ «فضل بن سعد البوعينين» الذي اقترح مراجعة المنح الزراعية السابقة، وإعادة استثمار بعض المناطق الزراعية للإسكان، ومع وجاهة هذين الاقتراحين، إلا أن دونهما -في نظري- خرط القتاد، لأن الأراضي الزراعية مملوكة هي الأخرى بصكوك شرعية، ومع أني لست مثبطاً لهذين الاقتراحين ولا لغيرهما فإني أضيف إليهما هذه الاقتراحات: 1- لا شك أن لصندوق التنمية العقاري أثر ملموس ومشاركة فاعلة في حل مشكلة السكن، ولا سيما بعد الأمر الملكي الكريم الذي وجه برفع القرض إلى خمسمائة ألف ريال، إضافة إلى الدعم المالي الجزل الذي ضاعف أعداد مستحقي القرض، حتى بلغت الدفعة الأخيرة (11040) مواطناً، هذا العدد في رأيي، يمكن أن يضاعف عدة مرات، وذلك بالسماح للمواطن الذي استحق القرض ليبني له سكناً خاصاً، بتوزيع الدور الأول من سكنه إلى شقتين مستقلتين بجميع خدماتهما، وبناء شقة ثالثة في الدور الثاني مستقلة أيضاً، فقد يسكن المواطن الدور الأرضي، ويسكِّن أولاده المتزوجين في الشقق الثلاث، أو في بعضها، وقد يؤجرها ليستفيد ويستفيد معه صندوق التنمية العقاري، وذلك بزيادة قيمة المرهون واستثماره وضمان تسديد القرض، وربما دعاه هذا الاستثمار إلى سرعة تسديد الأقساط قبل أوانها، ومثله أي مواطن يريد أن يبني له سكناً خاصاً، وهذا الرأي لم يخرج على نظام وزارة الشؤون البلدية والقروية بزيادة متر واحد، لأن الدور الأول قد كفله النظام، ولأن الوزارة -مشكورة- قد سمحت في الدور الثاني ببناء 50% من الدور الأول، فالبناء سيكتمل بهذه الصورة، وينطبق عليه النظام الحالي، فلا جديد في البناء ما عدا توزيع الوحدة السكنية إلى أربع وحدات، توزيعاً نظامياً لا يضطر معه المواطن إلى بناء شقة واحدة في غفلة من النظام، ويسميها «الشقة المسروقة» وهذه التسمية متداولة بين المواطنين ومكاتب العقار وفي إعلانات الصحف. إن السماح للمواطن بهذا التوزيع المقترح يضاعف عدد الوحدات السكنية، ويشارك مشاركة فاعلة وقوية في حل مشكلة السكن التي ما زال المواطن يئن تحت وطأتها بكلكلها الكبير والثقيل، فبدلا من (11040) وحدة سكنية التي تمثل الدفعة الأخيرة من مستحقي القرض يتضاعف العدد إلى «44164» بالمبلغ نفسه وفي المدة نفسها وعلى أرض واحدة بدلا من أربع أراضي يضطر المواطن إلى شرائها في ظل النظام الحالي، في وقت نعاني فيه من غلاء الأرض وصعوبة الحصول عليها. 2- السماح بتعدد الأدوار على الشوارع العامة بالأعداد التي تراها وتلحظ جدواها الجهات ذات العلاقة، فهذه الأدوار ستضاعف الوحدات السكنية على كل الشوارع العامة، وربما تزيد على الضعف، وقد لمسنا أثر ذلك واضحاً وجلياً على الشوارع التي عرضها 30 متراً و36 متراً التي سمح عليها بثلاثة أدوار ونصف الدور، حيث تضاعفت الوحدات السكنية فيها، وزادت زيادة ملحوظة ومجدية. 3- دعماً لاقتراح شباب الأعمال، ولاستحالة الحصول على أرض قريبة من المدن بالسعر الذي اقترحوه 100 - 150 ريالاً للمتر الواحد، أقترح أن تمد سكك حديدية بين المدة الرئيسية والمحافظات والقرى القريبة منها أو تأسس شركة نقل عام منظم، تشترك فيه الدولة مع القطاع الخاص لضمان استمراره بأسعار مناسبة، فإذا ما أثبت هذا النقل جدارته، فإن من لم يستطع السكن في تلك المدن سينتقل إلى تلك القرى والمحافظات، ويبني فيها سكنه ويستقر، وهذا -في نظري- أسهل وأيسر وأجدى من بناء المدن الجديدة المقترحة، لأن فيه حلاً للمشكلة، ودعماً اقتصادياً وعمرانياً واجتماعياً لتلك المحافظات، ولأن جميع الخدمات العامة قد اكتملت فيها، وتجربة مصر بربط القاهرة بما حولها، التي نجحت نجاحاً باهراً، حتى أصبح عدد سكان القاهرة في النهار يفوق عددهم في الليل بالملايين. هذه التجربة تعزز هذا الاقتراح وتؤيده. 4- زيادة دعم الصندوق العقاري، مع الدعم الجزل الذي تفضلت به الدولة، ليتمكن عدد من المواطنين من بناء مساكن لهم، -وفي نظري- أن المواطن إذا تولى بناء سكنه بنفسه فإن ذلك أوفر له وأجود وأفضل، كما أنه أوفر للدولة من المناقصات الحكومية باهظة التكاليف، وإن تكاتفت الجهتان فهو أولى وأسرع لحل أزمة السكن، وقد أحسن خادم الحرمين صنعاً، حينما ساوى حفظه الله بين المدن والقرى في مقدار القرض. هذا هو رأيي، آمل أن يكون خطوة أولى لمزيد من الآراء والمقترحات، علّنا نصل إلى حل ناجع وسريع لهذه الأزمة، وشكراً جزيلاً للمسؤولين في جريدة الجزيرة الذين فتحوا صفحاتها لتلك الاقتراحات لهذا الموضوع الهام.