في يوم السبت التاسع عشر من شهر صفر في عام 1430ه تشرفت بالثقة الملكية الكريمة وتلقيت أعظم نبأ سار في حياتي وحياة أسرتي، حينما صدر أمر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -أيده الله- بأن أرافق أخي صاحب السمو الأمير فيصل بن عبدالله بن محمد آل سعود، نائبًا لسموه في وزارة التربية والتعليم أو وزارة الوطن كما يحب سموه الكريم أن يسميها. لقد كانت مهمة صعبة وحساسة، وتذكّرت، حينما كنت صغيرًا عندما اختزلت مخيلتي حين صدر الأمر الكريم، كيف كنت أرنو لمدير المدرسة ووكيله والمعلمين على أنهم هم الوزارة في مشهد لم أكتشف أبعاده ومساحة العمل به إلا بعد حين، كانت تلك رؤية طالب على مقعد دراسي (رحمك الله يامديرنا الأستاذ عبد العزيز السالم)؛ لأكون هنا بصحبة أخ عزيز هو سمو الوزير ولأعمل بجانب أخ وأخت بذلا وما زالا يبذلان الكثير من أجل وطنهم وأجياله المقبلة، هما النائبان لتعليم البنين وتعليم البنات، وجعلتني تلك التجربة العظيمة والحساسة أمام محاكمة نفسي وحياتي وتقويم خبراتي ومؤهلاتي في العمل والمسؤوليات التي شرُفت بالعمل بها، وأسخرها لأسهم بقدر ما أستطيع لإكمال مسيرة البناء والمشاركة في التغيير الإيجابي لوزارة التربية والتعليم. سأتحدث هنا بكل أريحية وهدوء بعد أن تشرفت بالأمر السامي الكريم بنقلي من وزارة التربية والتعليم وأنا أحمل ذلك الشرف وسامًا أتقلده وأعتز به، وأقول لقد أخذتني عاصفة التفكير وتساءلت كثيرًا عن أي رجل أو امرأة سيقدر له الوقوف في هذا الموقف ليقدِّم خلاصة فكره ورأيه في قيادة أكثر من ثلاثين ألف مدرسة، وزمالة نحو ستمائة ألف معلم ومعلمة؛ والمساهمة بناء جيل يتطلع الوطن إليه بتفاؤل يبلغ عدده حوالي (6) ملايين طالب وطالبة في إطار معرفي وتربوي، وكنت أتحرج كثيرًا حين تضعني الظروف للعمل مع علماء وخبراء وأساتذة ومختصين، أفنوا حياتهم من أجل رسالتهم، لأرأس الاجتماعات وأتقدم في الجلوس أمامهم وهو ما تنازعني فيه أخلاقيات وآداب التربويين والتربويات فهم أصحاب فضل وبذل ومبادرة، وأمتن لهم اليوم وغدًا لجم تواضعهم وكريم ونبل أخلاقهم وهم الذين لم يبخلوا برأي أو فكرة وجدت طريقها في تعزيز دورنا. لقد استعنت بالله -عزَّ وجلَّ- ثم بتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -أيده الله- بقيادة أخي سمو الوزير؛ لأبدأ المهمة والمشاركة في مهمة تعزيز رحلة التطوير في وزارة التربية والتعليم والإضافة إليها، مستظلاً بهدي الله وسنة نبيه؛ متذكرًا دعاء الوالدين؛ ومستصحبًا تشجيع زوجة صابرة محتسبة، تحترق في سبيل نجاح مهمتي، فبدأنا واجبنا في الوزارة، يقودنا سمو الوزير بتفاؤل كبير وتخطيط عميق وتواضع جم، وثقة كبيرة؛ كان من أهمها تفويضه صلاحياته لفريق عمله؛ وتأكيده المتواصل على تيسير كافة الخطوات وتعزيز كل رأي وفكرة تقودنا نحو النجاح؛ وقد شدد على عدم التردد في اتخاذ كل قرار صائب؛ لقد فوضني سموه بصلاحياته من منطلق الثقة ولم أتخيل الحصول على صلاحيات نائب وزير في حياتي وإذا بي أمارس صلاحيات وزير وأمير.. فلك صادق المودة والتقدير والشكر يا صاحب السمو على ما منحتني إياه؛ فقد كنت نعم الرئيس ونعم الصديق! فقد عملنا بروح الفريق الواحد في وزارة التربية والتعليم، واستثمار تلك الثقة الغالية في طريقها الأمثل، ولم نشعر بفرق المناصب بين الوزير ونوابه. حمَّلنا الأصدقاء والخبراء والناصحون والمترددون والمحبون والمشككون والمتفائلون والمتشائمون نصائح ودعوات، كان أحبها إلى قلبي «الله يعينكم على ما سيواجهكم». وأحمد الله، المولى عز وجل، أننا وزيرًا ونوابًا غسلنا أذهاننا بماء زمزم وتخلصنا بكل أمانة من التصورات والأحكام المسبقة، وبدأنا خطواتنا بأن نتحدث بإيجاز ونسمع بامتياز ممن سبقونا في خدمة الوزارة من وزراء وعلماء أو من كفايات سعودية رجالاً ونساءً، وأتيحت الفرصة لنا أن نستمع من الميدان طلابًا وطالبات ومعلمين ومعلمات؛ لنكوِّن من ذلك رؤية تتكامل مع ما سبقها من مشروعات وبرامج، ولتفتح بثقة وتقويم ومحاسبة آفاق التطوير. إن من أجمل ما أحتفظ به في ذاكرتي عن المجتمع التربوي والتعليمي الرقي في التعامل والصدق في البناء من أجل تحقيق الهدف، والسعي للعمل المشترك بكل تفان، فاستطعنا اختصار كثير من الوقت من خلال وبدأت زرع الثقة والاستماع إلى الآراء والتقويم والمراجعة ومساندة الإنجازات السابقة؛ وقطف ثمار التخطيط السابق، رغم ما يواجهه التعليم من تحديات كبيرة أورثت صدامًا مع مخالب الرتابة؛ وازدواجية المهام والمسؤوليات؛ وصراع محموم مع الوقت لتحقيق التطلعات والمطالبات من كل مواطن ومواطنة، والتي تطلبت الإسراع في دفع عجلة التطوير والإسراع في التحديث، وكان الهاجس من أين وكيف نبدأ؟ لقد كان كل إحباط أو ارتباك واجهته الوزارة يدفعه سمو الوزير بالتفاؤل والبحث عن الحلول الناجعة الأفضل؛ فلم يكن هناك مستحيل أمام الإمكانات والدعم السخي، ولقد أحسن سمو الوزير استثمار كل طاقة بشرية مهما كان مستواها فاتفقنا على التوجهات المستقبلية ووضع رؤية تعبر بالرؤى والأفكار إلى حيز التنفيذ بكل ثقة، وأحاطها سموه ببعد نظر متفاعلاً مع النقد بشقيه الإيجابي والسلبي، ومستثمراً ما تم إنجازه لتسيير المرحلة الحالية وتأسيس المشروعات الإستراتيجية بحكمة وخبرة ممزوجة بإرادة وتوظيف للمستجدات في إطار خدمة الهدف الرئيس وهو الوصول إلى مجتمع معرفي وتحقيق القيمة المضافة، وجعل من العمل كفريق واحد طريقاً لتحقيق تلك الآمال. وكطبيعة بشرية اتفقنا كثيرًا واختلفنا قليلاً ووزعنا المهام واستعنا بالله ثم بكفايات الوزارة رجالاً ونساءً في كل ميدان وحددنا أولوليات الإصلاح والتطوير في ثلاثة محاور رئيسة هي: بيتنا الداخلي الوزارة الأم؛ ومشروع الملك عبدالله لتطوير التعليم؛ وشركة تطوير التعليم القابضة) وكل محور من هذه المحاور الثلاثة، كانت له ألف قصة وقصة تحكي تأسيسه ووضعه الحالي وخطته المستقبلية. إن من أهم الملفات التي عملت الوزارة على إنجازها في المرحلة الحالية هو إنفاذ التوجيهات السامية بتوحيد قطبي الوزارة والمتمثل في تعليم البنين وتعليم البنات في جهاز واحد وخاصة المتناظر منها؛ والسعي إلى تأنيث الإدارات النسائية؛ وبناءً على ذلك إعادة هيكلة الوزارة بما يتوافق مع تلك التوجهات، ووضع اللوائح التنظيمية وآليات التنفيذ أو استكمالها، والتوسع في استخدامات التقنية وتسخيرها لخدمة المعلم والمتعلم، والسعي الجاد نحو الإفادة من كل الكفايات والقدرات في الوزارة واستثمارها بالشكل الأمثل، والتخطيط لصناعة القادة التربويين وتأهيلهم لتنفيذ خطط التطوير، واستلزم ذلك استغراق وقت طويل في مراجعة كل تفاصيل العمل التربوي على مستوى الوكالات والإدارات العامة والأقسام وتحديد المهام وبرمجتها وفق ما ينسجم مع مشروع الملك عبدالله لتطوير التعليم؛ إضافة إلى تأسيس شركة تطوير التعليم القابضة، والتي ستكون ذراعاً إستراتيجياً لمنظومة من الشركات المتخصصة التي ستخفف العبء عن الوزارة لتقوم بدورها الرئيس في العملية التربوية والتعليمية. لم يكن ذلك عملاً فرديًا ولا يستطيع عاقل أن يجير ذلك الإنجاز لنفسه، ولكنه روح الفريق التي زرعها فينا سمو الوزير -وفقه الله-، صَاحبَ ذلك إيمانُ كافة مسؤولي الوزارة بعظم المسؤولية والأمانة وكانوا عونًا لسمو الوزير وفريقه من النواب لأداء مهمتهم، تعززها الروح المعنوية العالية والعمل الدؤوب لإيجاد الحلول وتنفيذها، وواجهنا كفريق التحديات الإستراتيجية والتي في مقدمتها ما يتعلق بالمعلمين والمعلمات وتوفير كل ما يدعم ويعزز أداء رسالتهم؛ وكذلك المباني المدرسية؛ واستكمال تطوير وتعميم المناهج الدراسية. إن من أصعب التحديات التي واجهتنا تلك الأحكام المتعجلة في قضايا تربوية وتعليمية، والتي تناول جزءًا منها بعض كتُّاب الرأي في صحفنا؛ وكانت في مجملها انعكاس لغياب المعلومة الدقيقة عن الناصح أو الناقد أو المتابع أو المهتم بنشاط الوزارة؛ وخلقت تلك الآراء تشعبات كثيرة جعلتنا نعمل باتجاه استثمارها في مقابل قناعاتنا، مستهدفين بناء الثقة وإزالة الشكوك وتجسير القنوات، من منطلق الإيمان بالشراكة المجتمعية، وتسخير تلك الرؤى لتجويد العمل والوصول إلى توافق وتكامل، من أجل مستقبل أبنائنا، وعملنا بجد لإطلاع المجتمع على كل تفاصيل مشروعات التطوير والحراك التعليمي باتجاه مدارسنا. أغادر اليوم وزارة التربية والتعليم كمسؤول وأبقى كمتابع ومهتم وأقول بكل أمانة إن ثلاثة أجزاء رئيسة من برامج التطوير، التي كان لها الحضور الأكبر في مسيرة عملنا خلال السنوات الثلاث الماضية وهي: المعلم والمعلمة، المقررات الدراسية؛ والمباني المدرسية، وكان لهما نصيب وافر من التخطيط والعمل بصدق لإحداث نقلات نوعية لهما، وأستطيع القول بكل ثقة: إن المعلم والمعلمة حاضرًا ومستقبلاً، سيكونان في أولويات الوزير والوزارة كما أن المقررات الدراسية نالت التطوير والتحديث وواجهت الصراع المحموم واستطاعت أن تؤكد خلال فترة وجيزة جودتها رغم ما نتفق عليه من مفردات تمت مراجعتها ولكن أثرها كان أكثر إيجابية وتنتظر التكامل مع البيئة المدرسية وفق رؤية طموحة لسمو الوزير لبناء منظومة بيئية متعلمة في مدارسنا، وهو ما تعيشه الآن مدارس التعليم العام من تحول نحو اكتمال خطط تطويرها والعمل على استكمالها في أرض الواقع خلال فترة زمنية تمتد لعام 1444ه وهو ما جاء ضمن التوجهات المستقبلية. ورسالتي التي أبعث بها لكل فرد في مجتمعنا هي أن نؤمن بأن على كل منا مسؤولية الاطلاع على الحقيقة قبل إطلاق الأحكام جزافاً على رجال ونساء حملوا أمانة هذه الرسالة، ويرجون أن يوفقوا في أدائها بكل أمانة ومسؤولية؛ خدمة للدين والوطن بالصبر والعمل، ولا ينفك ذلك عن الدور الرئيس للنصح وإبداء الرأي لمن هم أهله، فالأبواب مفتوحة والصدور متسعة لكل إضافة تخدم العملية التربوية والتعليمية لأنها مسؤولية مجتمع قبل أن تكون مسؤولية وزارة ولكل منا نصيبه في تحمل جزء منها. ومن واقع مشاركتي الكاملة في كل صغيرة وكبيرة في وزارة التربية والتعليم، أشهد الله تعالى أن ما تم ويتم حاليًا في وزارة التربية والتعليم سيسر كل مخلص لهذا الدين والوطن، وأن منطلقات التطوير مبنية على أساس متين ينبثق عن ثوابتنا الشرعية والوطنية؛ وستكون مخرجات تعليمنا خلال المرحلة المقبلة، كما يتطلع إليها قادة وطننا ونرجوها جميعًا -بإذن الله-، وهي أمانة لأجيالنا؛ وسيسابق بها أبناء وطننا العزيز الزمن من أجل تحقيق أهداف طموحة، بخطى علمية واثقة تسر قلب كل مواطن ومحب لهذا الوطن. وختامًا أسأل الله أن يحفظ علينا ديننا وأن يديم علينا نعمة الأمن والاستقرار، الذي منَّ الله به على وطننا الحبيب، بمنه وكرمه، وأن يعين قائد مسيرة التطوير والتحديث خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -أيده الله- ويوفق عضده صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، لما فيه خير هذا الوطن وخير أبنائه، وأن يجعل ما قدموه لخدمة دينهم ووطنهم في موازين أعمالهم. (*) مستشار خادم الحرمين الشريفين، الأمين العام لمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، والنائب السابق لوزير والتربية والتعليم